تكملة
تكملة : فيما ذكروا من سنن هذا الفصل ، يستحب في الكفن العمامة للرجل ويكفي فيها المسمى ، والأولى أن تدار على رأسه ويجعل طرفاها تحت حنكه على صدره ، الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن ، والمقنعة للمرأة ، ويكفي فيها أيضاً المسمى ، ولفافة لثدييها يشدّان بها إلى ظهرها ، وخرقة يعصب بها وسط الميت ذكراً كان أو أنثى ، وخرقة أخرى للفخذين تلف عليهما ، ولفافة فوق الإزار يلفّ بها تمام بدن الميت ، والأولى كونها برداً يمانياً ، وأن يجعل القطن أو نحوه عند تعذره بين رجليه ، يستر به العورتان ، ويوضع عليه شىء من الحنوط ، وأن يحشى دبره ومنخراه ، وقبل المرأة إذا خيف خروج شىء منها ، و إجادة الكفن ، وأن يكون من القطن ، وأن يكون أبيض ، وأن يكون من خالص المال وطهوره ، وأن يكون ثوباً قد أحرم ، أو صلى فيه ، وأن يلقى عليه الكافور والذريرة ، وأن يخاط بخيوطه إذا احتاج إلى الخياطة ، وأن يكتب على حاشية الكفن : فلان ابن فلان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمّداً رسول الله ، ثم يذكر الأئمّة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد ، وأنهم أولياء الله وأوصياء رسوله ، وأن البعث والثواب والعقاب حقّ ، وأن يكتب على الكفن دعاء الجوشن الصغير ، والكبير ، ويلزم أن يكون ذلك كله في موضع يؤمن عليه من النجاسة والقذارة ، فيكتب في حاشية الإزار من طرف رأس الميت ، وقيل : ينبغي أن يكون ذلك في شىء يستصحب معه بالتعليق في عنقه أو الشدّ في يمينه ، لكنه لا يخلو من تأمل .
ويستحب في التكفين أن يجعل طرف الأيمن من اللفافة على أيسر الميت ، والأيسر على أيمنه ، وأن يكون المباشر للتكفين على طهارة من الحدث ، و إن كان هو المغسل غسل يديه من المرفقين بل المنكبين ثلاث مرات ، ورجليه إلى الركبتين ، ويغسل كل موضع تنجس من بدنه ، وأن يجعل الميت حال التكفين مستقبل القبلة ، والأولى أن يكون كحال الصلاة عليه .
ويكره قطع الكفن بالحديد ، و عمل الأكمام و الزرور له ، ولو كفن في قميصه قطع أزراره ويكره بلّ الخيوط التي تخاط بها بريقه ، وتبخيره ، وتطييبه بغير الكافور والذريرة ، وأن يكون أسود بل مطلق المصبوغ ، وأن يكتب عليه بالسواد ، وأن يكون من الكتان ، وأن يكون ممزوجاً بابريسم ، والمماكسة في شرائه ، وجعل العمامة بلا حنك ، وكونه وسخاً ، وكونه مخيطاً .
في الشرائط
ولا خلاف في ذلك بين المسلمين قاطبة ، ويدل على ذلك غير واحد من الآيات الكريمة ، منها قوله تعالى ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحيوة الدنيا بالآخرة )(۱) وقوله تعالى ( وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين ۱ ـ سورة النساء ، الآية ۷۴ .
كله لله )(۱) وقوله تعالى : ( حرض المؤمنين على القتال )(۲) وقوله تعالى : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين )(۳) وقوله تعالى : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة )(۴) وغيرها من الآيات .
والروايات المأثورة في الحث على الجهاد ـ وأنه مما بني عليه الإسلام ومن أهمّ الواجبات الإلهية ، كثيرة ، والقدر المتيقن من مواردها هو الجهاد مع المشركين .(۵)
الطائفة الثانية : أهل الكتاب من الكفار ، وهم اليهود والنصارى ، ويلحق بهم المجوس والصابئة ، فإنه يجب مقاتلتهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، ويدل عليه الكتاب والسنة .
قال الله تعالى : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )(۶) والروايات الواردة في اختصاص أهل الكتاب بجواز أخذ الجزية منهم كثيرة وسيجىء البحث عنه .
الطائفة الثالثة : البغاة ، وهم طائفتان :
إحداهما : الباغية على الإمام (عليه السلام) ، فإنه يجب على المؤمنين أن يقاتلوهم حتى يفيئوا إلى أمر الله و إطاعة الإمام (عليه السلام) ، ولا خلاف في ذلك بين المسلمين وسيجىء البحث عن ذلك .
والأخرى : الطائفة الباغية على الطائفة الأخرى من المسلمين ، فإنه يجب على
۱ ـ سورة الأنفال ، الآية ۳۹ .
۲ ـ سورة الأنفال ، الآية ۶۵ .
۳ ـ سورة التوبة ، الآية ۵ .
۴ ـ سورة التوبة ، الآية ۳۶ .
۵ ـ الوسائل ج ۱۵ ب ۱ من أبواب جهاد العدو وغيره .
۶ ـ سورة التوبة ، الآية ۲۹ .
سائر المسلمين أن يقوموا بالإصلاح بينهما ، فإن ظلت الباغية على بغيها قاتلوها حتى تفىء إلى أمر الله .
قال الله تعالى ( و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله ) .(۱)
تذنيب في أحكام الشرط
ويشترط في وجوب الوفاء بالشرط أمور :
منها : أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة ، ويتحقق هذا في موردين :
الأول : أن يكون العمل بالشرط غير مشروع في نفسه ، كما إذا استأجره للعمل في نهار شهر رمضان بشرط أن يفطر أو يبيعه شيئا بشرط أن يرتكب محرّما من المحرّمات الإلهية .
الثاني : أن يكون الشرط بنفسه مخالفا لحكم شرعي كما إذا زوجه أمته بشرط أن يكون ولدها رقاً ، أو باعه أو وهبه مالاً بشرط أن لا يرثه منه ورثته أو بعضهم وأمثال ذلك ، فإن الشرط في جميع هذه الموارد باطل .
ومنها : أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد كما إذا باعه بشرط أن لا يكون له ثمن أو آجره الدار بشرط أن لا تكون لها أجرة .
ومنها : أن يكون مذكورا في ضمن العقد صريحا أو ضمنا كما إذا قامت القرينة على كون العقد مبنيا عليه ومقيدا به إما لذكره قبل العقد أو لأجل التفاهم العرفي مثل اشتراط التسليم حال استحقاق التسليم فلو ذكر قبل العقد ولم يكن العقد مبنيا عليه عمدا أو سهوا لم يجب الوفاء به .
ومنها : أن يكون مقدورا عليه بل لو علم عدم القدرة لم يمكن إنشاء الالتزام به .
الفصل الرابع
ثم إن الكلام يقع في مقامين :
المقام الأول : هل يعتبر إذن الإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاص في مشروعية أصل الجهاد في الشريعة المقدسة؟ فيه وجهان: المشهور بين الأصحاب هو الوجه الأول({^.( وهو الأقوى )^})
وقد استدل عليه بوجهين : الوجه الأول : دعوى الإجماع على ذلك .
وفيه : إن الإجماع لم يثبت ، إذ لم يتعرض جماعة من الأصحاب للمسألة ، ولذا استشكل السبزواري في الكفاية في الحكم بقوله : ويشترط في وجوب الجهاد وجود الإمام (عليه السلام) أو من نصبه على المشهور بين الأصحاب ، ولعل مستنده أخبار لم تبلغ درجة الصحة مع معارضتها بعموم الآيات ، ففي الحكم به إشكال ) .(۱)
۱ ـ كفاية الأحكام : ۷۴ .
ثم على تقدير ثبوته فهو لا يكون كاشفاً عن قول المعصوم (عليه السلام) ، لاحتمال أن يكون مدركه الروايات الآتية فلا يكون تعبدياً .
نعم ، الجهاد في عصر الحضور يعتبر فيه إذن ولي الأمر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)أو الإمام (عليه السلام) بعده .
الوجه الثاني : الروايات التي استدل بها على اعتبار إذن الإمام (عليه السلام) في مشروعية الجهاد ، والعمدة منها روايتان :
الأولى : رواية سويد القلاء ، عن بشير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت له : إني رأيت في المنام أني قلت لك : إن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، فقلت لي : نعم هو كذلك .
فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : « هو كذلك ، هو كذلك » .(۱)
وفيه : إن هذه الرواية مضافا إلى إمكان المناقشة في سندها على أساس أنه لا يمكن لنا إثبات أن المراد من بشير الواقع في سندها هو بشير الدهان ، ورواية سويد القلاء عن بشير الدهان في مورد لا تدل على أن المراد من بشير هنا هو بشير الدهان، مع أن المسمى بـ ( بشير ) متعدد في هذه الطبقة ولا يكون منحصرا بـ ( بشير ) الدهان .
نعم ، روى في الكافي هذه الرواية مرسلا عن بشير الدهان(۲) وهي لا تكون حجة من جهة الإرسال ، وقابلة للمناقشة دلالة ، فإن الظاهر منها بمناسبة الحكم والموضوع هو حرمة القتال بأمر غير الإمام المفترض طاعته وبمتابعته فيه ، ولا تدل على حرمة القتال على المسلمين مع الكفار إذا رأى المسلمون من ذوي الآراء والخبرة فيه مصلحة عامة للإسلام و إعلاء كلمة التوحيد بدون إذن الإمام (عليه السلام)كزماننا هذا .
۱ ـ الوسائل ج ۱۵ باب ۱۲ من أبواب جهاد العدو ، ذيل الحديث ۱ .
۲ ـ الكافي ج ۵ ، ص ۲۳ ، كتاب الجهاد .
الثانية : رواية عبدالله بن مغيرة ، قال محمّد بن عبدالله للرضا (عليه السلام)وأنا أسمع : حدثني أبي ، عن أهل بيته ، عن آبائه أنه قال له بعضهم : إن في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين ، وعدوا يقال له الديلم ، فهل من جهاد ؟ أو هل من رباط ؟ فقال : عليكم بهذا البيت فحجوه .
فأعاد عليه الحديث ، فقال : عليكم بهذا البيت فحجوه ، أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته وينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا ، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدرا ، و إن مات منتظرا لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات الله عليه ، الحديث .(۱)
ولكن الظاهر أنها في مقام بيان الحكم الموقت لا الحكم الدائم بمعنى أنه لم يكن في الجهاد أو الرباط صلاح في ذلك الوقت الخاص ، ويشهد على ذلك ذكر الرباط تلو الجهاد مع أنه لا شبهة في عدم توقفه على إذن الإمام (عليه السلام) وثبوته في زمان الغيبة ، ومما يؤكذ ذلك أنه يجوز أخذ الجزية في زمن الغيبة من أهل الكتاب إذا قبلوا ذلك ، مع أن أخذ الجزية إنما هو في مقابل ترك القتال معهم ، فلو لم يكن القتال معهم في هذا العصر مشروعا لم يجز أخذ الجزية منهم أيضاً .
وقد تحصل من ذلك أن الظاهر عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغيبة({^( بل الظاهر السقوط )^})وثبوته في كافة الأعصار لدى توفر شرائطه ، وهو في زمن الغيبة منوط بتشخيص المسلمين من ذوي الخبرة في الموضوع أن في الجهاد معهم مصلحة للاسلام على أساس أن لديهم قوة كافية من حيث العدد والعدة لدحرهم بشكل لا يحتمل عادة
۱ ـ الوسائل ج ۱۱ باب ۱۲ من ابواب جهاد العدو ، حديث ۵ .
أن يخسروا في المعركة ، فإذا توفرت هذه الشرائط عندهم وجب عليهم الجهاد والمقاتلة معهم .
وأما ما ورد في عدة من الروايات من حرمة الخروج بالسيف على الحكام وخلفاء الجور قبل قيام قائمنا صلوات الله عليه فهو أجنبي عن مسألتنا هذه وهي الجهاد مع الكفار رأساً ، ولا يرتبط بها نهائياً .
المقام الثاني : أنا لو قلنا بمشروعية أصل الجهاد في عصر الغيبة فهل يعتبر فيها إذن الفقيه الجامع للشرائط أولا ؟ يظهر من صاحب الجواهر ( قدس سره ) اعتباره بدعوى عموم ولايته بمثل ذلك في زمن الغيبة .
وهذا الكلام غير بعيد بالتقريب الآتي ، وهو أن على الفقيه أن يشاور في هذا الأمر المهم أهل الخبرة والبصيرة من المسلمين حتى يطمئن بأن لدى المسلمين من العدة والعدد ما يكفي للغلبة على الكفار الحربيين ، وبما أن عملية هذا الأمر المهم في الخارج بحاجة إلى قائد وآمر يرى المسلمين نفوذ أمره عليهم ، فلا محالة يتعين ذلك في الفقيه الجامع للشرائط ، فإنه يتصدى لتنفيذ هذا الأمر المهم من باب الحسبة على أساس أن تصدى غيره لذلك يوجب الهرج والمرج ويؤدي إلى عدم تنفيذه بشكل مطلوب وكامل .