الفصل السابع .في التشييع
يستحب إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليشيعوه ، ويستحب لهم تشييعه ، وقد ورد في فضله أخبار كثيرة ، ففي بعضها من تبع جنازة أعطي يوم القيامة أربع شفاعات ، ولم يقل شيئا إلا وقال الملك : ولك مثل ذلك ، وفي بعضها أن أول ما يتحف به المؤمن في قبره ، أن يغفر لمن تبع جنازته .
وله آداب كثيرة مذكورة في الكتب المبسوطة ، مثل أن يكون المشيع ماشياً خلف الجنازة خاشعاً متفكراً ، حاملاً للجنازة على الكتف ، قائلاً حين الحمل : بسم الله وبالله وصلى الله على محمّد وآل محمّد ، اللّهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، ويكره الضحك واللعب ، واللهو والإسراع في المشي وأن يقول : ارفقوا به ، واستغفروا له ، والركوب والمشي قدام الجنازة ، والكلام بغير ذكر الله تعالى والدعاء والاستغفار ، ويكره وضع الرداء من غير صاحب المصيبة ، فإنه يستحب له ذلك ، وأن يمشي حافياً .
مسألة ۱۷ : قد استثني من الكفار الشيخ الفاني والمرأة والصبيان ، فإنه لا يجوز قتلهم ، وكذا الأسارى من المسلمين الذين أسروا بيد الكفار ، نعم لو تترس الأعداء بهم جاز قتلهم إذا كانت المقاتلة معهم أو الغلبة عليهم متوقفة عليه .
وهل تجب الدية على قتل المسلم من هؤلاء الاسارى وكذا الكفارة ؟ الظاهر
۱ ـ سورة الانفال ، الآية ۱۵ ـ ۱۶ .
عدم الوجوب ، أما الدية فمضافا إلى عدم الخلاف فيه تدل عليه معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « من اقتص منه فهو قتيل القرآن »(۱) وذلك فإن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم والموضوع هو أن كلما كان القتل بأمر إلهي فلا شىء فيه من الاقتصاص والدية ، والقتيل بالقصاص من صغريات تلك الكبرى ، وتؤيد ذلك رواية حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبدالله عن مدينة من مدائن الحرب ، هل يجوز أن يرسل عليها الماء أو تحرق بالنار أو ترمى بالمنجنيق حتى يقتلوا ومنهم النساء والصبيان والشيخ الكبير والأسارى من المسلمين والتجار ؟ فقال : «يفعل ذلك بهم، ولا يمسك عنهم لهؤلاء ، ولا دية عليهم للمسلمين ولا كفارة» الحديث.(۲)
وأما الكفارة فهل تجب أولا ؟ فيه وجهان : المشهور بين الاصحاب وجوبها ، وقد يستدل على الوجوب بقوله تعالى : ( فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ) .(۳)
بدعوى أن الآية تدل على الوجوب في المقام بالأولوية ، وفيه أنه لا أولوية ، فإن القتل في مورد الآية قتل خطئي ولا يكون بمأمور به ، والقتل في المقام يكون مأموراً به ، على أنه لو تم الاستدلال بالآية في المقام فظاهرها هو وجوب الكفارة على القاتل ، كما نص على ذلك غير واحد من الاصحاب ، وهو على خلاف مصلحة الجهاد ، فإنه يوجب التخاذل فيه كما صرح به الشهيد الثاني ( قدس سره ) فالصحيح هو عدم وجوب الكفارة({^(بل الأظهر هو الوجوب ، ومع إيجابه التخاذل تؤدّى من بيت المال )^}) في المقام المؤيد برواية حفص المتقدمة .
۱ ـ الوسائل ج ۲۹ باب ۲۴ من قصاص النفس ، الحديث ۲ .
۲ ـ الوسائل ج ۱۵ باب ۱۶ من جهاد العدو ، الحديث ۲ .
۳ ـ سورة النساء ، الآية ۹۲ .
مسألة ۱۸ : المشهور كراهة طلب المبارز في الحرب بغير إذن الإمام (عليه السلام)وقيل : يحرم وفيه إشكال ، والأظهر({^(الأحوط عدم طلبه مع عدم إذن الإمام (عليه السلام) )^}) جواز طلبه إذا كان أصل الجهاد مشروعاً .
مسألة ۱۹ : إذا طلب الكافر مبارزاً من المسلمين ولم يشترط عدم الإعانة بغيره جاز إعانته ، والمشهور على أنه لا يجوز ذلك إذا اشترط عدم الاعانة بغيره ، حيث إنه نحو أمان من قبل غيره ، فلا يجوز نقضه ، ولكنه محل إشكال بل منع .
مسألة ۲۰ : لا يجوز القتال مع الكفار بعد الأمان والعهد ، حيث إنه نقض لهما وهو غير جائز ، ويدل عليه غير واحدة من الروايات ، منها صحيحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : « كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم صلى الله عليه وآله بين يديه ثم يقول ـ إلى أن قال ـ وأيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله ، فإن تبعكم فأخوكم في الدين ، و إن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا بالله » .(۱)
ومنها معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت له : ما معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)( يسعى بذمتهم أدناهم ) ؟ قال : « لو أن جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل فقال : أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم وأناظره ، فأعطاه أدناهم الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به » .(۲)
نعم ، تجوز الخدعة في الحرب ليتمكنوا بها من الغلبة عليهم ، وتدل عليه معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أن عليا (عليه السلام) كان يقول : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
۱ ـ الوسائل ج ۱۵ باب ۱۵ من جهاد العدو ، الحديث ۲ .
۲ ـ الوسائل ج ۱۵ باب ۲۰ من جهاد العدو ، الحديث ۱ .
يقول يوم الخندق : ( الحرب خدعة ) ويقول : تكلموا بما أردتم » .(۱)
مسألة ۲۱ : لا يجوز الغلول من الكفار بعد الامان ، فإنه خيانة ، وقد ورد في صحيحة جميل المتقدمة آنفا ، وفي معتبرة مسعدة بن صدقة نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)عن الغلول(۲) وكذا لا تجوز السرقة من الغنيمة على أساس أنها ملك عام لجميع المقاتلين .
مسألة ۲۲ : لا يجوز التمثيل بالمقتولين من الكفار ، لورود النهي عنه في صحيحة جميل ومعتبرة مسعدة المتقدمتين آنفا ، وكذا لا يجوز إلقاء السم في بلاد المشركين لنهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : « قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يلقى السم في بلاد المشركين » .(۳)
نعم ، إذا كانت هناك مصلحة عامة تستدعي ذلك كما إذا توقف الجهاد أو الفتح عليه جاز ، وأما إلقاؤه في جبهة القتال فقط من جهة قتل المحاربين من الكفار فلا بأس به .
في أحكام الأسارى
مسألة ۲۳ : إذا كان المسلمون قد أسروا من الكفار المحاربين في أثناء الحرب ، فإن كانوا إناثاً لم يجز قتلهن كما مر ، نعم يملكوهن بالسبي والاستيلاء عليهن ، وكذلك الحال في الذراري غير البالغين ، والشيوخ وغيرهم ممن لا يقتل ، وتدل على ذلك ـ مضافا إلى السيرة القطعية الجارية في تقسيم غنائم الحرب بين المقاتلين المسلمين ـ
۱ ـ الوسائل ج ۱۵ باب ۵۳ من جهاد العدو ، الحديث ۱ .
۲ ـ الوسائل ج ۱۵ باب ۱۵ من جهاد العدو ، الحديث ۳ .
۳ ـ الوسائل ج ۱۱ باب ۱۶ من جهاد العدو ، الحديث ۱ .
الروايات المتعددة الدالة على جواز الاسترقاق حتى في حال غير الحرب .
منها معتبرة رفاعة النخاس ، قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : إن الروم يغزون على الصقالبة ] والروم [ فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان ، فيعمدون على الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار ، فما ترى في شرائهم ونحن نعلم أنهم قد سرقوا و إنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم ؟ فقال : « لا باس بشرائهم ، إنما أخرجوهم من الشرك إلى دار الإسلام » .(۱)
وأما إذا كانوا ذكوراً بالغين فيتعين قتلهم إلا إذا أسلموا ، فإن القتل حينئذ يسقط عنهم .
وهل عليهم بعد الإسلام منّ أو فداء أو الاسترقاق ؟ الظاهر هو العدم ، حيث إن كل ذلك بحاجة إلى دليل ، ولا دليل عليه .
وأما إذاكان الأسر بعد الإثخان والغلبة عليهم فلا يجوز قتل الأسير منهم و إن كانوا ذكوراً ، وحينئذ كان الحكم الثابت عليهم أحد أمور : إما المنّ أو الفداء أو الاسترقاق .
وهل تسقط عنهم هذه الأحكام الثلاثة إذا اختاروا الإسلام ؟ الظاهر عدم سقوطها بذلك ، ويدل عليه قوله تعالى : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد و إما فداء حتى تضع الحرب أوزارها )(۲) بضميمة معتبرة طلحة بن زيد الآتية الواردة في هذا الموضوع .
ومن الغريب أن الشيخ الطوسي ـ قدس سره ـ في تفسيره ( التبيان ) نسب إلى الأصحاب أنهم رووا تخيير الإمام (عليه السلام) في الأسير إذا انفضت الحرب بين القتل وبين المن والفداء والاسترقاق ، وتبعه في ذلك الشيخ الطبرسي ـ قدس سره ـ في
تفسيره ، مع أن الشيخ ـ قدس سره ـ قد صرح هو في كتابه ( المبسوط ) بعدم جواز قتله في هذه الصورة .
وجه الغرابة ـ مضافا إلى دعوى الإجماع في كلمات غير واحد على عدم جواز القتل في هذا الفرض ـ أنه مخالف لظاهر الآية المشار إليها ، ولنص معتبرة طلحة بن زيد ، قال سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : « كان أبي يقول : إن للحرب حكمين : إذا كان الحرب قائمة ولم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها فكل أسير أخذ في تلك الحال فإن الإمام (عليه السلام)فيه بالخيار ، إن شاء ضرب عنقه ، و إن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم ، ثم يتركه يتشحط في دمه حتى يموت ، وهو قول الله عزوجل : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ) ـ إلى أن قال ـ والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها فكل أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم ، فالإمام فيه بالخيار إن
۱ ـ الوسائل ج ۱۸ الباب ۲ من أبواب بيع الحيوان الحديث ۱ ، والباب ۱ و ۳ .
۲ ـ سورة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والآية ۴ .
شاء منّ عليهم فأرسلهم ، و إن شاء فاداهم أنفسهم ، و إن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا » .(۱)
مسألة ۲۴ : من لم يتمكن في دار الحرب أو في غيرها من أداء وظائفه الدينية وجبت المهاجرة عليه إلا من لايتمكن منها كالمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، لقوله تعالى : ( إن الذين توفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأويهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعيفن من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ) .(۲)
۱ ـ الوسائل ج ۱۵ باب ۲۳ من أبواب جهاد العدو ، الحديث ۱ .
۲ ـ سورة النساء ، الآية ۹۷ ـ ۹۹ .
( المرابطة )
وهي الإرصاد لحفظ الحدود وثغور بلاد المسلمين من هجمة الكفار .
مسألة ۱۶۹ : إذا تعدد الوارث للخيار فالظاهر أنه لا أثر لفسخ بعضهم بدون انضمام الباقين إليه في تمام المبيع ولا في حصته إلا إذا رضي من عليه الخيار فيصح في حصته .
مسألة ۱۷۰ : إذا فسخ الورثة بيع مورثهم ، فإن كان عين الثمن موجوداً دفعوه إلى المشتري و إن كان تالفا أو بحكمه أخرج من تركة الميت كسائر ديونه .
مسألة ۱۷۱ : لو كان الخيار لاجنبي عن العقد فمات لم ينتقل الخيار إلى وارثه .
مسألة ۱۷۲ : إذا تلف المبيع في زمان الخيار في بيع الحيوان فهو من مال البائع ، وكذا إذا تلف قبل انتهاء مدة الخيار في خيار الشرط إذا كان الخيار للمشتري ، أما إذا كان للبائع أو تلف في زمان خيار المجلس بعد القبض فالاظهر أنه من مال المشتري .
الفصل السادس ما يدخل في المبيع
من باع شيئا دخل في المبيع ما يقصد المتعاملان دخوله فيه دون غيره ، ويعرف قصدهما بما يدل عليه لفظ المبيع وضعاً أو بالقرينة العامة أو الخاصة ، فمن باع بستانا دخل فيه الأرض والشجر والنخل والطوف والبئر والناعور والحضيرة ونحوها مما هو من أجزائها أو توابعها، أما من باع أرضا فلا يدخل فيها الشجر والنخل الموجودان، وكذا لا يدخل الحمل في بيع الأم ولا الثمرة في بيع الشجرة ، نعم إذا باع نخلا فإن كان التمر مؤبرا فالتمر للبائع ، و إن لم يكن مؤبرا فهو للمشتري ، ويختص هذا الحكم ببيع النخل ، أما في نقل النخل بغير البيع أو بيع غير النخل من سائر الشجر فالثمر فيه للبائع مطلقا و إن لم يكن مؤبرا ، هذا إذا لم تكن قرينة على دخول الثمر في بيع الشجر أو الشجر في بيع الأرض أو الحمل في بيع الدابة ، أما إذا قامت القرينة على ذلك و إن كانت هي التعارف الخارجي عمل عليها وكان جميع ذلك للمشتري .
مسألة ۱۷۳ : إذا باع الشجر وبقي الثمر للبائع مع اشتراط بقائه واحتاج الشجر إلى السقي جاز للبائع سقيه وليس للمشتري منعه ، و إذا لم يحتج إلى السقي لم يجب على البائع سقيه و إن أمره المشتري بذلك ، ولو تضرر أحدهما بالسقي والآخر بتركه ففي تقديم حق البائع أو المشتري وجهان بل قولان ، أرجحهما الأول إن اشترط الإبقاء و إلا فالأرجح الثاني .
مسألة ۱۷۴ : إذا باع بستاناً واستثنى نخلة مثلاً فله الممر إليها والمخرج منها ومدى جرائدها وعروقها من الأرض وليس للمشتري منع شيء من ذلك .
مسألة ۱۷۵ : إذا باع دارا دخل فيها الأرض والبناء الأعلى والأسفل إلا أن يكون الاعلى مستقلا من حيث المدخل والمخرج فيكون ذلك قرينة على عدم دخوله ، وكذا يدخل في بيع الدار السراديب والبئر والأبواب والأخشاب الداخلة في البناء وكذا السلّم المثبت ، بل لا يبعد دخول ما فيها من نخل وشجر وأسلاك كهربائية وأنا بيب الماء ونحو ذلك مما يعد من توابع الدار حتى مفتاح الغلق ، فإن ذلك كله داخل في المبيع إلا مع الشرط .
مسألة ۱۷۶ : الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن المتكونة فيها تدخل في بيعها إذا كانت تابعة للأرض عرفا ، وأما إذا لم تكن تابعة لها كالمعادن المكنونة في جوف الأرض فالظاهر أنها غير مملوكة لأحد ويملكها من يخرجها ، وكذلك لا تدخل في بيع الأرض الاحجار المدفونة فيها والكنوز المودعة فيها ونحوها .
مسألة ۱۷۶ : الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن المتكونة فيها تدخل في بيعها إذا كانت تابعة للأرض عرفا ، وأما إذا لم تكن تابعة لها كالمعادن المكنونة في جوف الأرض فالظاهر أنها غير مملوكة لأحد ويملكها من يخرجها ، وكذلك لا تدخل في بيع الأرض الاحجار المدفونة فيها والكنوز المودعة فيها ونحوها .