ان يكون على معرفة به
فالمعرفة والدراية أمرين في غاية الأهمية
لقد قيل لي إن جماعة الحاضرين هم من القائمين على خدمة المعتكفين
فما هو الاعتكاف ؟
إن فهم هذه الحقيقة صعب للغاية
وقد خصص في الفقه كتاب خاص باسم كتاب الاعتكاف
فله باب خاص في كتب الفقهاء العظام وفي الكتب الروائية
وترتيبه يأتي بعد كتاب الصوم
فما هي العلقة بين الصوم والاعتكاف وما هي نفس حقيقة الاعتكاف ؟
والأهم ماهي وظيفة المعتكف ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
على كل من يقوم بعمل
ان يكون على معرفة به
فالمعرفة والدراية أمرين في غاية الأهمية
لقد قيل لي إن جماعة الحاضرين هم من القائمين على خدمة المعتكفين
فما هو الاعتكاف ؟
إن فهم هذه الحقيقة صعب للغاية
وقد خصص في الفقه كتاب خاص باسم كتاب الاعتكاف
فله باب خاص في كتب الفقهاء العظام وفي الكتب الروائية
وترتيبه يأتي بعد كتاب الصوم
فما هي العلقة بين الصوم والاعتكاف وما هي نفس حقيقة الاعتكاف ؟
والأهم ماهي وظيفة المعتكف ؟
إن الحديث حول هذه المفاهيم
غير متيسر لنا في هذه الدقائق المعدودة
الاعتكاف عبارة عن حبس النفس
من يحبس نفسه على أمر
فهو عاكف على ذلك الأمر
فحقيقة الاعتكاف هي حبس النفس على الله سبحانه وتعالى
وفهم هذه الحقيقة في غاية الإشكال
هناك آية في سورة البقرة
تتضمن هذا المطلب وتشير الى
عظمة هذا الامر ونحن نذكر إشارات إلى ذلك
لأن هذا البحث ـ من الناحية الفنية ـ بحاجة الى جلسات متعددة
أما بداية المطلب فهو في قوله تعالى
وإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً
وبداية المطلب تنطلق من هذه الآية
ابتلي إبراهيم بكلمات تجاوز خلالها امتحانات عشر
أحدها كان ذبح ولده اسماعيل هذه احداها
ولما تجاوز الامتحانات العشر
نال هذا المنصب
منصب ـ بعد تلك الامتحانات ـ لايناله سوى
والتفتوا الى طريقة البيان الالهي
التي تحيّر عقل الحكيم والفقيه
فقال وإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ فيجب التعرف على نبي الله ابراهيم أولاً
فقد قال النبي الخاتموالشخص الأول في عالم التكوين
إذا ذكرتم الأنبياء
فسلموا عليّ ثم سلمّوا عليه
أي اذا ذكر موسى أو عيسى او نوح
فينبغي أن نقول على نبينا وعليه السلام
واستثنى من ذلك النبي ابراهيم
فقد بلغت عظمته الى درجة ان يقول فيه النبي الخاتم
اذا ذكر النبي إبراهيم
فسلموا عليه أولاً ثم سلمّوا عليّ
وهذه الخصوصية تحيّر العقول
فيجب حين ذكر اسمه ان نقول
عليه وعلى نبينا السلام هذا هو مقامه ومرتبته
ثم يقول تعالى وعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ
فعبر بالعهد
ونفس عنوان العهد بحث مهم
فقد عقدكتاب في الفقه أيضاً باسم كتاب النذر والعهد
والعهد هو أن يقطع العبد عهداً مع الله
بينما نجد في الآية ان الله تعالى هو الذي يقطع عهداً مع العبد
وماهو مهم في الامر أن
طبيعة العهد الذي قطعه مع ابراهيم
وعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ
ومتعلق العهد هو
أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والْعاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ
وملخّص الكلام ان عهد الله مع إبراهيم
أن يقوم ابراهيم مع ولده اسماعيل على
بعدما صار ابراهيم خليل الله وولده ذبيح الله
وقلّد ابراهيم منصب خدمة المعتكفين
في بيت الله الحرام
وعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ
ومتعلق العهد أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ والْعاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ
هذا هو مقام الاعتكاف الذي أوجب الله تعالى على ابراهيم الخليل
تهيئة بيت الله لأجله
ليقيم المعتكفون ببيت الله الحرام
ويحبسوا أنفسهم على ذات الحق المقدسة
لقد انقضت أعمارنا ولم ندرك ما ينبغي علينا القيام به
يجب أن نطبق أمرين(كلمتين) في الاعتكاف
وتوضيحهما
هناك تعبيرات متداولة بين الناس
لها أصول وجذور
وما عليه المعوّل هو كلمتين وهما
الاولى من منه الوجود والثانية من به الوجود
فالاولى من منه تستفيض جميع الموجودات وجودها
والثانية من به تستفيض جميع الموجودات وجوداتها (تستفيض استمرارية وجودها)
والاعتكاف انما يصبح اعتكافاً
حينما يتمّ للمعتكف الارتباط بنقطتين اثنتين
بعد دخوله وخروجه من المسجد
الأولى من منه الوجود وهو ذات الحق المقدسة
والثانية من به الوجود وهو ولي العصر وإمام الزمان
هذا هو جوهر الاعتكاف وحقيقته
ويجب مراعاة أمور في الاعتكاف منها
لا يحق للمعتكف الخروج من المسجد
الا في بعض الموارد المستثناة
وعدم جواز الخروج خلا بعض الموارد المستثناة في الفقه
يدلّ على أنه يجب أن تكون الروح في تلك الايام الثلاثة
مندكّة في ما
منه الوجود وما به الوجود
فمن دخل المسجد بغرض الاعتكاف
فينبغي عليه التأمل كيف كان ؟ وكيف أصبح ؟
وإلى اين هو ذاهب ؟ ولماذا ؟
لقد كنا عبارة عن نطفة فما هي قيمتنا؟
فلربما وقعت على ثياب أبينا أو ثياب والدتنا
فيغسلوننا ثم يصرفوننا في البالوعة
فمن الذي أعطى هذا النطفة النتنة
في ظلمة رحم الأم وظلمة المشيمة وظلمة البطن
من غير علم الأب ولا علم الأم
هذه القوى ؟
وجعل هذا المخ في هذه الجمجمة
فلو أن عصباً واحداً منه أصيب بخلل للحظة واحدة
لا أقول عصباً بل لو أن نقطة في المخ أصيبت بخلل
فلا إحساس ولا إدراك ولا معرفة
فلا خبر عن النفس ولا علم عن العالم
فماذا صنع الباري تعالى!!
لقد أودع جميع هذه القوى في هذا الجلد
علينا أن نفكر في جميع ذلك ثم نتوجّه الى الإعتكاف
بما أعطاه من القوى لتلك النطفة النتنة
من المخ والقلب والرّئة
وجهاز التنفس وجهاز الهضم
والعضلات والعظام
آلاف السنين والطب والتشريح في سعي دؤوب
لكنه حتى الآن لم يتوصل إلى معرفة أسرار هذا الجلد
يا من أظهر الجميل وستر القبيح
فقد أخفى جميع القذارات والنجاسات
في كيس هذا الجلد
فغطّى بهذا الجلد جميع لحم هذا الجسد وعظامه
فلو قدّر لهذا الجلد أن ينسلخ عنّا
فعند ذلك كيف ستكون أشكالنا؟
فأي صنيع فعل معنا ؟ ثم نحن عنه غافلون ؟!
وكل ذلك تمّ في ظلمات رحم الأم
ولو كان لذلك الجنين فهم وإحساس
لقال الهي لم كل هذه التركيبات؟
ولم هذه الطبقات للعين؟
وما الداعي لهذه الاذن وجهاز السمع؟
ولم هذا اللسان وهذا الفم؟
فلاحاجة لكل ذلك في رحم الأم!
إنه لا يعلم بما ينتظره في هذه الدنيا
وما يحتاج إليه هنا
فقد كوّنك من بطن أمك
ابتداء من مقلة العين حتى الإظفار!
وسائر القوى التي أودعها فينا
والغذاء الذي هيّئه لجميع هذه الذرّات
ثم جهاز الهضم الذي يجذبه ويهضمه
وهنا علينا القول
فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ
ثم تتوزّع القوى
فما يجب أن يتوجّه الى مقلة العين
لا يضل طريقه
وما ينبغي أن يصل الى الإظفار لا يضلّ طريقه
فإذا ما أصيب هذا الجهاز بخلل بسيط
أو طرأ ألم على إحداها
على مقلة عين أو عينك فماذا يحدث؟
وهو ما نعني به وجوب إدراك ما منه الوجود
فعلى المعتكف أن يعرف الوجهة التي توجّه إليها
ولماذا توجّه إلى هناك؟
لقد توجّه إلى ذلك المكان ليجدّد العهد معه
ويستحضر جميع ما كان نسيه
لقد تصرّم منّا العمر
وضيعنا عمراً كان علينا استغلاله
ما كان علينا النسيان والغفلة والآن لا زلنا كذلك
فبينا يهجم النوم على الناس وان كان أعلم العلماء وأفقه الفقهاء
فيعمهم أمر الله جميعاً
فلا يعلم هل الفقه بالقاف أم بالغين
ولا العلم هل هو بالعين أم بالألف المهموزة
ومِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ
وخلاصة الأمر أننا إذا انتبهنا
حينها نعلم مدى الخسارة التي منينا بها
فعلينا الاستعجال في الانتباه من غفلتنا
الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ
أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
وأول أمر يجب مراعاته في الاعتكاف
هو الارتباط بمبدأ الوجود
فمن اللحظة التي تنطلق فيها من بيتك
عليك ان تتذكر كيف كنت ؟ وكيف أصبحت؟
وأي لطف ورحمة وعناية
شملت تلك النطفة حتى أخرجتها بهذه الصورة
والثاني مَن جميع الموجودات عال عليه
ليست الحياة من حقنا أنا وأنت
فكم هو مقدار ذكرنا لله تعالى
من حين استيقاظنا أول الصباح؟
وكم هو مقدار انشغالنا بانفسنا ؟
وهذا ما نقصده بعدم اسحقاقنا للحياة
وجميع هذه الألطاف انما هي ببركة مَن
كان كل وجوده فناء في الله تعالى
الا وهو ولي العصر إمام الزمان
من بيمنه رزق الورى
وبوجوده ثبتت الارض والسماء
ما هو أهم عمل في الاعتكاف؟
بما أن علينا استغلال أكبر قدر ممكن من هذا الوقت
إن أفضل عمل في الاعتكاف هو قراءة القرآن الكريم
فعلى المعتكف الشروع بذلك من أول الاعتكاف
ولا يغفلوا عن ذلك لحظة واحدة
لماذا ؟ وما السر في ذلك؟
السرّ في ذلك أنه
أولا أن النبي اذا ذكر أمراً ما
وكان بعنوان الوصية من جهة
وكان قد أوصى بها
الى علي بن ابي طالب من جهة أخرى
وهنا على الفقيه أن يدرك
مدى أهمية مثل هذا الأمر
قال ياعلي أوصيك
ياعلي أوصيك
بتلاوة القرآن على كل حال
أتل القرآن على كل حال
فالقرآن هو الحرف الرابط بيننا وبين الله تعالى
والصلاة هي كلامنا مع الله تعالى
والقرآن كلام الله معنا
هذا هو القرآن
حاولوا أن لا تغفلوا عن القرآن الكريم
في الاعتكاف
ولکن المهم هو هذه الکلمة
وهنا حديث وهو حديث من القوة والمتانة ما يجعل فقيهاً كالشيخ الانصاري
يفتي على أساسه في أعقد المسائل
أي في بحث الدماء
وهو كلمة الفصل
قال يا ابن رسول الله اني كنت اختم القرآن
مراراً في شهر رمضان
جعلت لرسول الله صلى الله عليه وآله ختمة
ولعلي عليه السلام ختمة أخرى
ولفاطمة صلوات الله عليها وآلها أخرى
ثم للأئمة عليهم السلام حتى انتهيت إليك ، فصيّرت لك واحدة يا ابا الحسن
فأي شئ لي بذلك ؟
ماهو أجري من وراء هذا العمل؟
وهذا الحديث يجعل جوهر قراءة القرآن الكريم
في ذروة المراتب وأعلاها
قال فأي شئ لي بذلك ؟
قال لك بذلك أن تكون معهم يوم القيامة
إنني الآن إذ أقرأ عليكم الرواية وانا في دهشة !
قال له إن جزاء قراءتك للقرآن
وإهدائك ختمة
لرسول الله وأخرى لعلي المرتضى
أن تكون معهم
ولا تفارقهم
وكان الراوي فقيها وحينما سمع ذلك
دهش وقال لي هذا بهذا ؟
لي بهذا العمل هذا الجزاء؟
في معيتهم؟ معيّة خاتم النبيين؟ وسيد الوصيين؟
فقال الإمام ثلاثا
نعم، ثلاث مرات (نعم نعم نعم)
إن جزاءك أن تكون معهم
فعلى كل معتكف أن يبتدأ
بختم القرآن الكريم وإهدائه إلى إمام الزمان
فإن الإهداء له إهداء الى سائر الأنبياء
من أراد أن ينظر الى آدم وشيث
فذا أنا آدم وشيث
فهذا هو برنامج الاعتكاف قراءة القرآن وإهدائها الى إمام الزمان
وهناك أمر آخر يلزم مراعاته وهو
على جميع المعتكفين أن يبتدؤوا برنامجهم الاعتكافي
ومن أول الصباح
بقراءة زيارة آل ياسين
والسرّ في ذلك أن الطبرسي ينقل في كتاب الاحتجاج
وهو من التوقيعات الى الحميري
إذ أردت أن تتوسّل الى الله بنا
فقل سلام على آل ياسين
وهي الاكسير الاعظم
المعتكف يتوجه الى بيت الله
وبيت الله له ظاهر وباطن
و ظاهر بيت الله هو ذلك المسجد
فما هو باطنه؟
باطنه فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ
أَنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
تلك البيوت هي بيوت الوحي والنبوة
إن زيارة سلام على آل ياسين
تفتح الباب للمعتكف على الله
السلام عليك يا باب الله وديّان دينه
وليكن افتتاح كل يوم من أيام الاعتكاف بأمرين
الأول قراءة سورة ياسين
والثاني زيارة السلام على آل ياسين
ولكليهما جذور فقهية
أما سورة ياسين فهي قلب القرآن
فهي سورة خاتم الانبياء
ولا بد ان تقترن مع
زيارة سلام على آل ياسين
فإذا تم الاعتكاف على هذه الشاكلة
فان هذا الاعتكاف يقلب الحديد
ذهباً أحمر عند خروجه منه
حينما يتسلط الإكسير على الحديد
فإنه يحوله الى شيء آخر
فهل من الممكن أن تبقى هذه الروح ثلاثة أيام
مع القرآن ومع إمام الزمان
ولا تنقلب الى كيمياء؟
وخلاصة الأمر عليكم معرفة قدر الاعتكاف ومكانته
كيف تتوجهون اليه؟
وكيف تعملون أعمالكم هناك؟
وكيف ترجعون منه ؟
وعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ
أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والْعاكِفِينَ
والرُّكَّعِ السُّجُودِ
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن
صلواتك عليه وعلى آبائه
في هذه الساعة وفي كل ساعة
ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً
ودليلاً وعيناً
حتى تسكنه أرضك طوعاً
وتمتعه فيها طويلاً