الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
إدراكُ عظمة هذا اليوم الذي نحن على أبوابه وصاحب هذا اليوم
في ذلك الزمان و تلك الواقعة التي
وقعت في ذلك الزمان
فوق نطاق إدراك کلّ العقول.
إننا على أعتاب ذكرى شهادة رأس المذهب و رئیسه
الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
إدراكُ عظمة هذا اليوم الذي نحن على أبوابه وصاحب هذا اليوم
في ذلك الزمان و تلك الواقعة التي
وقعت في ذلك الزمان
فوق نطاق إدراك کلّ العقول.
فلا أحدَ عرف هذا المذهب معرفة حقیقية،
وليس ثمة من عرف صاحب هذا المذهب عليه السلام.
جملة منه وكلمة منه،
علاج لأدواء البشرية جمعاء.
حديث واحد یکفي لإنجاء کلّ الناس
من المهالك الدنیویة و المهالك الأخرویة،
ويوصلهم إلى أعلى درجات الملأ الأعلى.
انّما يُعرف الإمام الصادق عليه السلام
حینما یدرک کنه کلماته.
سنتناول حديثاً واحداً عن الإمام الصادق عليه السلام،
ينقله شيخ الطائفة في أماليه.
الحدیث هو:
علیکم بالورع ، و صدق الحدیث
و أداء الأمانة ، و عفة البطن و الفرج
لتکونوا معنا في الرفیق الأعلی .
هذه الجُمَل بهذا القصر
ولكن كل كلمة تحتاج إلى كتابٍ لشرحها.
ولفهم هذا الحديث لابد من الالفتات إلى هذه الجهة
هناك أمرٌ أعطي في القرآن المجید أهمیة شدیدة و هو
أن یرجع الإنسان إلى ماضیه فينظر ماذا كان وماذا صار
وإذا فُهِمَ هذا الأمر، اتضحت عظمة الکلمات السابقة.
فكما أنّ مرحلة رحم الأم كانت مقدمة
لتكامل نطفة هذا البدن في تلك الظلمات ( البطن والرحم والمشیمة)
خلقاً من بعد خلقٍ،
و کل القوی و الأعضاء التي هي أساس الحیاة في هذه الدنیا
قد أعطیت لهذه النطفة،
كذلك نسبة الدنیا إلی الآخرة
كنسبة رحم الأم إلى نشأة الدنيا.
«هل أتی علی الإنسان حينٌ من الدهر
لم يکن شيئاً مذکورا،
إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج
نبتليه
فجعلناه سميعاً بصيراً»
«هل أتی علی الإنسان حينٌ من الدهر»
أساسا کیفیة البيان في كلام الله تعالى، تحيّر العقول!!
حيث يوقظ العقول الإنسانیة عبر الاستفهام والتساؤل.
اذاً عودوا جميعكم،
ولينظر كل إنسان، وليقلّب أوراق كتاب حياته الماضیة
إلی أن یصل إلی الصفحة الأولى من هذا الكتاب.
ولينظر ماذا كان قبل هذا؟
«لم يكن شيئاً مذكوراً» حيث لم يكُ ثمّةَ اسمٌ ولا رسم لهذا الإنسان.
كلّ من جلس هنا
فليرجع ولينظر إلى أصله وماضيه.
أي أثر كان لکل هؤلاء الأفراد قبل مائة سنة مضت؟
أي سمة كانت؟ وأين كان أولئك؟
وبعد أن وجَّه القلوبَ بهذه الکیفیة قال:
«إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج
نبتليه
فجعلناه سميعاً بصيراً».
كلّ جملةٍ من هذه الآية تحتاج إلى بحث خاص.
و كلمة واحدة منها تدعم هذا المطلب.
لقد خلقنا الإنسان من نطفة مختلطة.
فماذا كانت هذه النطفة المختلطة؟
ماذا کانت هذه النطفة الأمشاج
کان مبدأ الخلقة شیئین أحدهما من الرجل و الآخر من المرأة ذكري و أنثوي كوّنا مبدأ هذه الخلقة
و حینئذٍ استقرَّت تلك النطفة في ظلمات بطن الأم،
وتحت تلك العنایة من العلم اللامتناهي
والقدرة المطلقة
والحكمة غیرالمتناهیة فظهرت تلك النطفة على الصورة المتعارفة:
بصر، و سمع ، و قدرة ، وعلم ،
ودماغ بتلك الدقة والتكوين العجيب والخلايا المعقدة المتداخلة المتشابكة من أجل الإدراك.
وعين بتلك الطبقات من أجل الإبصار و الرؤیة،
وأذنٌ بتلك التفاصيل والتراكيب من أجل السمع!
أجهزة وتراكيب وأعضاء كل واحد منها صار لمدة آلافٍ من السنین
مورد مطالعة و دراسة من قبل عقول البشر
و إلی الآن لم یصلو إلی أسرار الجلد كحسب
فکیف بالأسرار التي في الدماغ و في القلب ؟!
هکذا أعطی الله تلك القوی والأعضاء في ظلمة بطن الأم.
إذا كانت تلك النطفة وفي تلك الظلمات تملك إدراكاً وشعوراً
فإن هذه المسألة تکون معضلة بالنسبة لها:
و أن هذه الهبات لي لأي سبب؟
أنا وحيث أكون هنا لست محتاجاً لهذا العقل
وحيث أوجد خلف هذه الستارة المغلقة في بطن الأم لا أحتاج لهذه العين.
و ليس هنا صوت حتّي يحتاج إلى أذنٍ،
وليس ثمة غذاء يحتاج إلى جهاز هضمي،
ولا هواء لتكون ثمة رئة،
ولا كلام ليلزمه لسان.
لكنه تعالی منح و وهب كل تلك الأعضاء.
وعندما جاء لهذا العالم، اتضح له جليّا أنه
لو لم تصنع هذه العین هناك لكان قد حرم ههنا من أيّ نعمة؟!
ولو لم يُمنَح هناك هذه الأذن، فأي صوت كان سيسمع هنا؟!
ولو لم يوضع هذا اللسان في الفم هناك في رحم الأمّ فكيف كان سيتكلم هنا؟!
وهكذا تماماً يكون حالنا في الدنیا بالنسبة للآخرة، و على هذه الشاكلة:
لقد ركب العقل مع الشهوة في ثنايا الروح
هذه الدنيا رحم الروح كما
كان بطن الأم رحماً للبدن.
فالدنيا كذلك هي رحم لروحنا
والأنبیاء والمرسلون هم القوى المؤهِّلة المربية لقوى و أعضاء نطفة الروح لحیاة عالم الأبد
الشخص الذي یفهم بیان الإمام عليه السلام
هو الذي یدرك هذه الحقيقة .
ففي الدنيا تصدر الأوامر لهذه النطفة، أي نطفة روح الآدمي
بأن تربي العقل بالعلم
وتقوي الإرادة بالإیمان
وتبتعد عن مساوئ الأخلاق
و تکتسب مكارم الأخلاق.
وكما أنّ ذلك الجنین یتحیَّر في بطن أمه ـ في ما لو كان شاعراً مدركاً
حیث یتساءل أن هذه العین والأذن و اللسان لأجل أيِّ شيءٍ
كذلك هنا یتحیَّر
بتسائله عن سبب تكليفه بالصلوات الیومیة الخمس.
ولم هذا التحصين ضد دنس الذنوب والرذائل؟؟
وما السرّ في کلّ هذا التأكيد على صدق اللسان
وأداء الأمانة ؟؟
فطالما هو قابع في رحم الدنيا، ليس لديه خبرٌ ودراية.
لقد كانت الولادة الأولى هي ولادة أبداننا
عندما جاءت إلى هذه الدنيا من أرحام الأمهات،
و الولادة الثانیة هي موتنا حيث
ننتقل من رحم الدنيا الأم إلی النشأة الأخری
هناك یتضح أن هذه الأوامر کانت لأجل أيّ شیءٍ؟
الشخص الذي یکون هنا تارکاً للصلاة بمجرد أن
تنفصل روحه عن بدنه، يري نفسَه أعمى أخرس.
لم؟ ما هو السر؟
السرّ هو أن الشخص الذي
یترك الصلاة ـ شاء أم أبى ـ فإن عین روحه ستعمى
ولسان روحه سیخرس.
لماذا عندما تُترك الصلاة تعمى عين الروح؟
ولماذا يخرس لسان النفس؟
السرّ هو أنّ کلّ ذرات الوجود و جمیع الكائنات
من خلايا هذا البدن الصغيرة إلى المجرات الكبيرة
الكل يشهد بعلم وقدرة وحكمة الحي القيوم،
و كل هذه جميعاً من الذرة إلى المجرة
تراكيبها ونظامها،
یدل علی علم وقدرة وحکمة ربِّ الأرباب.
الشخص الذي لا بصيرة له، حتى لو أبصرت عین بدنه هذه الألوان
فإن عين روحه لا ترى آيات علم وقدرة و حکمة الله
فسواء شاء أم أبى فإن نتیجته أنه
عندما یذهب من العالم
وتخرج روحه من رحم هذه الدنيا
سيری أنه أعمى أصم
تلك الصلاة ذكر الله تعالى
وذكر الله لسان الروح .
فحيث لم يكُ يملك (لسان الروح) في هذه النشأة فإنه بمجرَّدٍ
أن یذهب من هذا العالم یمسي أخرس
ولو أن هذه النكتة تفهم وهي أنه كما
أنّ رحم الأم وخلقة هذه الأعضاء کان لازماً،
فإن رحم هذه الدنيا لازم أیضاً. وكذلك تركيب وتنظيم قوى وأعضاء وجوارح روح الإنسان .
ذلك التركيب للأعضاء إنّما هو للبدن في الدنیا،
وبناء وتركيب العقائد والأخلاق والإيمان من أجل حياة روح الإنسان في عالم العقبی،
هناك وفي ذلك الوقت من تلك الأمور، الإنسان سیدرك
ما يعنيه المذهب الجعفري وسيعرف من هو رئیس هذا المذهب.
تکفي كلمتان، إحداهما من نفس الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم
والكلمة الثانية من ابنه صاحب هذه الأیام
أمّا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «ليس مني»
تأمّلوا جيداً. من هو خاتم النبیین صلى الله عليه وآله وسلم؟
إنه الشخص الذي عبَّر عنه القرآن بقوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}
شخص بهذه المنزلة العظيمة، بهذه الشدة قال هذه الکلمة:
«ليس مني من استخف بصلاته»
والجملة التالية تقصم الظهر وهي :
«لا والله لا يرد عليّ حوض الكوثر»
هذا القسم قسمٌ بلفظ الجلالة من الشخص الأول في العالم.
من استخف بصلاته، لا يرد علي حوض الكوثر
هذه هي کلمة حضرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما بیان صاحب هذه الأیام علیه السلام فهو :
قال أبو بصير: بعد شهادة الإمام الصادق عليه السلام،
ذهبت إلی حميدة زوجة الإمام عليه السلام لتعزيتها،
فلما عزّيتها بشهادة الإمام عليه السلام، قالت:
يا أبا بصير! لو كنت عنده ساعة الاحتضار
لرأيت عجباً !!
حينما دنت ساعة رحيله، ساعة احتضار جعفر بن محمد،
تصور هذا الأمر فوق تعقلنا، يعني تلك اللحظة التي
هبطت فيها أرواح مائة وأربعة وعشرين الف نبي ليعرجوا بروح الإمام إلى الملأ الأعلى
في لحظة بهذا المستوی أمَر فقال أخبروا کل الأشخاص الذین
لهم رابطة و صلة قرابة بي أن يحضروا و لايتخلّف أحد منهم
فأخبرنا الجميع، فاجتمعوا ولم يتخلف منهم أحد،
عند ذاك قال عليه السلام هذه الکلمة:
«لا تنال شفاعتنا شخصاً يستخف بصلاته»
تلك كلمة الرسول الخاتم وهذه كلمة رئیس المذهب.
أي شخص يفهم عظمة كل هذه التوصية بالصلاة؟ لم؟
ما كل ما يأمله الإنسان؟
غاية ما يأمله أن یصل إلی كل مقامٍ یریده وأن يصل إلى كل كمال يريده.
تأمّلوا جیّداً وافهموا سرَّ هذه الکلمات
أمنيّة كل إنسان هذه. خاصية الإنسان هي أنَّه
لا یشبع من أيِّ مقام وكمال
فلو نال من الدنیا ما نال، لم يقف طمعه عند حد بعينه.
وإن روح الإنسان كلّما اكتشفت شيئاً فإنها تقول:
«هل من مزيد»
لو بلغتْ العلم والحکمة
ومهما عقلتْ وفهمتْ فإنها تطلب مرتبة أعلی ودرجة أرفع.
هذه هي ميزة فطرة الإنسان.
وقد جعلت الفطرة هکذا لكي
يبلغ البشر إلی الكمال المطلق ومطلق الكمال.
فإن لم يبلغ إلی ذلك لم يهدأ.
فإذا ما بلغ الكمال المطلق ومطلق الكمال اطمأنّت نفسه.
اتلوا القرآن وافهموه
«الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذکر الله،
ألا بذکرالله تطمئن القلوب»
عندما بلغ هناك، اطمأنت نفسه. لماذا؟
لأنه عندما وصل إلى الله تعالى فقد وصل إلى الغرض من هذه الخلقة
وبلغ الكمال المطلق ومطلق الكمال.
لقد لخص سيد الشهداء عليه السلام حديثه مع الله تعالى بكلمتين اثنتين:
ماذا فقد من وجدك؟!
وماذا وجد من فقدك؟!
و لذلك قال رسول الله : ليس مني من استخف بصلاته،
و لذلك كانت وصية الإمام الصادق عليه السلام لحظة احتضاره هي
لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته.
والسر هو أن الصلاة هي التي توصّل الناس إلى الله تعالى،
فيتحقق بذلك الهدف من الخلقة.
فالمذهب الجعفري وبیانات الإمام الصادق عليه السلام انّما یتّضح عمقها للأشخاص الذین
یفهمون کل دقائق وزوایا الخلقة وأسرار الوجود،
حینئذٍ یفهمون ماذا تعني هذه الکلمة؟
لقد ذکرنا كلماتٍ أربعة في صدر الكلام
«عليكم» هذا بیان الإمام، عليكم.
في التعبیر بـ (علی) بحث ولکنه لا وقت حتی نبینَّه.
"عليكم بالورع" ما هو الورع؟
الورع هو حفظ النفس
وصونها عما حرم الله تعالى.
هذه كانت الكلمة الأولى. والكلمة الثانية هي:
هذا الحديث اغتنمَه من هذا المجلس، ثم انظر ما أثره
الكلمة الثانية هي "صدق الحديث"
لا يجرينّ الكذب على هذا اللسان.
ليكن اللسان لسان صدق. هذه هي الكلمة الثانية.
أما الكلمة الثالثة فهي "أداء الأمانة"
فلا تصدرن خيانة منك وأنت مؤتمنٌ.
والكلمة الرابعة "عفة البطن و الفرج"
هذه الكلماتُ الأربع هي الأركان الأربعة لسعادة البشر.
لكن ذلك الورع يزكي الروح من كل دنس ورذيلة.
فكما أنه يجب أن يحمى البدن من كل الجراثيم الغريبة والمكروبات،
كذلك الورع يحمي ويصون الروح من كل الرذائل التي
تستأصل جذور الحياة الأبدية وتجتثها.
هذه هي كلمة الإمام الاولى.
وكلمته الثانية هي أن لا تلوِّث لسانك بالکذب
هذه الكلمة البعيدة الغور. إذا استقام اللسان استقام القلب
وإذا انحرف اللسان انحرف القلب.
واللسان المنحرف یکشف عن القلب المنحرف.
القلب الصادق يستدعي لساناً صادقاً. هذه الکلمة الثانیة.
والكلمة الثالثة: لا تدنس يدك بالخيانة
ولتكن يدك يد أمانة
ما ألطَف كلمات أئمة الدين؟
قال الإمام السجاد عليه السلام:
لو أن قاتل أبي سيد الشهداء أعطاني ذلك السيف الذي
حزّ به رأس أبي وفصله عن جسده، وائتمننی علیه
لم أخنه في أمانته.
هذا هو المذهب الجعفري، وهذه هي الكلمة الثالثة.
الكلمة الرابعة "عفة البطن" فما هو أثر هذه الكلمة؟
الروح مرتبطة بالبدن.
إن بين الروح والبدن ارتباطاً عمیقاً إلى الحد الذي
يجعل الروح فاعلاً ومنفعلاً.
والبدن كذلك فاعلاً ومنفعلا.
فالبدن یؤثر في الروح ، و أیضاً یتأثر بها.
و أیضاً من جهة أخری تتأثر الروح بالبدن، وتؤثر فیه
تلك اللقمة الحرام التي یأکلها الإنسان تخلف فکراً حراماً .
لذا قال عليه السلام: الرابع، "عفة البطن"
والكلمة الأخيرة هي عفة الفرج.
ولو أن شخصاً قیَّد شهوة البطن وشهوة الفرج،
حینئذٍ يتنوَّر العقل بالأنوار الإلهية.
اللسان الصادق، واليد الأمينة،
وعفة البطن، وعفة الفرج،
والورع عن كل ما حرّم الله، ما نتیجتها؟
لو أنّ امرءاً عمل بهذه الكلمات الأربع،
كان معنا في الرفيق الأعلى. سیکون معنا في أعلی علیین.
ليتأمل الجميع في هذا الحديث الذي ذکرته.
لو طُبق هذا الحديث وعمل به في هذا البلد،
فكيف سيمسي حال الأمة؟
يعني لو عمل أفراد المجتمع بعبارة واحدة من عبائر الإمام الصادق عليه السلام،
ولو طبق حديث واحد، فأي تحول وخير سیحصل في هذا البلد؟
مع الورع، وصدق الحديث، وأداء الأمانة،
وعفة البطن و الفرج، لا يبقى أثر للفساد في هذا البلد.
إنّ المدینة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون،
تلك المدينة الفاضلة يؤسس أركانها ويُعلي بنيانها حديث واحد للإمام جعفرالصادق عليه السلام.
هذا في الحياة الدنيا و في حیاة العقبی
" كان معنا في الرفيق الأعلى"
الشخص الذي يعمل بهذه الأمور الأربعة ،
يكون جليس الإمام جعفرالصادق في أعلى عليين،
ورفيق سيد الشهداء في مقام الخُلد
في هذا الحديث الواحد من رئیس المذهب عليه السلام كان كل هذا، فما الذي تحمله وتتضمه كل بیاناته وكلماته؟
و هذا ما نقوله من أنّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام لم يُعرف بعدُ،
لا یمکن أن یقال من هو؟ وما الذي عمله؟ وماذا قال؟
كلمتان أقولهما، واذهبوا وتأمّلوا فيهما عمراً من الزمان.
مالذي فعله هو مع الله تعالى؟ وما الذي فعله مع عباد الله تعالى؟
لو أن الناس تعلم "هذا" لكان من اللازم أن تمسي هذه البلد يوم شهادة جعفر بن محمد عليه السلام
قطعةً واحدة من الحزن والنواح والأسى،
وفي عزاء وندبة رجل بهذه المنزلة والمكانة لابد أن تكون كل أنحاء دولة إيران في يوم شهادته في بحر من الأسى واللوعة.
أين تجد مثلاً أو نموذجاً لهذا البشر في العالم؟
جاءه أحدهم وأظهر له الحاجة .
فأعطاه الإمام ۴۰۰ درهم ۴۰۰ مثقالٍ من الفضة.
فلما قبضها وهمَّ بالخروج من المنزل، قال عليه السلام:
ارجع، فرجع، فقال:
يابن رسول اللهَ! ذكرت حاجتي فأعطيتني
فلم استوقفتني وطلبتني؟ قال عليه السلام:
إن أفضل الصدقة صدقةٌ أغنت فقيراً.
هذا هو الإمام جعفرالصادق.
أفضل الصدقة صدقة ٌ أغنت فقيراً.
إنك لم تَغنَ بهذه الأربعمائة درهم،
فخذ هذا الخاتم الذي قیمته عشرة آلاف درهم،
لكي لا تضطرَّ إلى آخر حیاتک أن تسأل أحداً حاجة.
كان هذا صنعه مع عباد الله
و أمّا مع الله تعالى فماذا فعل؟ صنعه مع الله هو:
وقف للصلاة. قال عليه السلام: لقد ردّدت "إياك نعبد وإياك نستعين"
حتى سمعتها من قائلها.
ذلك مع الخلق ، وهذا مع الخالق
شخص بهذه المزايا والصفات هو رئیس هذا المذهب. يوم شهادته یومٌ
ارتَحل فيه شخص بهذه المثابة، وأين كان ذلك؟
انظر الآن إلى البقيع، وانظر الي ذلك القبر المهدوم أيّ كنز يرقد فيه؟ كيان فارد؟
الشخص الذي يكون مع الله ومع عباد الله هکذا
هو قائد عالم الکون
ینقل ابن شهرآشوب عن ثقة الإسلام الكليني عن جميل بن دراج:
يقول: كنت في خدمة حضرته عليه السلام، إذاً أقبلت امرأة فقالت:
يابن رسول الله ! مات إبني فما أصنع
فلمّا قالت هذا الکلام أمرها عليه السلام، قائلاً:
اذهبي فصلي ركعتين ثم ادعي بعد الرکعتین بهذا الدعاء فقولي:
« اللهم يا من وهبتني هذا الغلام، هبه لي مرة ثانية»
قال هذه الجملة للمرأة ... فذهبت المرأة وعادت مستبشرة.
قالت: يا بن رسول الله، ذهبت وصليت الركعتين وقلت:
يا مَن وهبتني هبني مرة ثانية.
فما إن لا مستْ يدي بدنه حتى أفاق من رقدته
ماذا يعني هذا؟ إنه العمل الذي يعمله عيسى بن مريم.
عيسی روح الله « بکلمة منه اسمه المسيح عيسی بن مريم»
العمل الذي ينجزه عيسى بن مريم، المرأة التي
أثـّر فیها نـَفـَس الإمام جعفر صادق وأفادها ، هذه المرأة تعمل عمل عیسی.
ولذلك قلنا: إنه لم یعرف هذا المذهب و لا رئیسه.
إنّه إكسيرٌ، لا هو بنفسه، لأنه فوق هذه الكلمات.
إنه لو أراد لاستطاع وبكلمة واحدة أن يجعل أسفل هذا العالم أعلاه
إن نـَفـَسه الذی یؤثر في تلك المرأة مثل الإکسیرالذي یؤثر في الحدید.
فلو أن إكسيراً صادف معدناً لم يقلبه الي ذهب فحسب بل لأثر به أثراً بالغاً وأخضعه.
لقد أثـّر نـَفـَسه علی هذه المرأة فذهبت و أحیت میتاً.
ثم قال لها الإمام: لا تـُطلعي أحداً على هذا الأمر.
إن شاء الله یتعاون کلّ الناس ویضعون أیدي بعضهم في أیدي البعض الآخر
ولا تبق هیئة من الهیئات التي تخرج یوم العاشوراء إلا
و تخرج إلی الشوارع في یوم شهادة الإمام الصادق علیه السلام
لكي يتبين للعالم أجمع أن هذه البلاد تحت لواء مَنْ تسیر؟
إنه الشخص الذي عيّن اسمه رسول الله، حين قال:
لقد أقبل إلى هذا العالم وهو " صادقٌ".
قال الإمام زين العابدين:« اسمه عند أهل السماء الصادق».
لکلمة " صادق" شرح مفصّل ، وهذا المطلب فوق إدراکنا و تصوُّرنا
اللهم کن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلی آبائه في هذه الساعة وفي کل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتی تسکنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طویلاً.