فلابد من الكلام حول
الثاوين في مقبرة البقيع
لعل هذه الغفلة التي نحن فيها
ترتفع ببركة ذكر هذه الشخصية الكبرى والآية العظمى.
الحمد لله ربّ العالمین، وصلی الله علی سیدنا محمد وآله الطاهرین سیما بقیة الله فی الارضین واللعن علی اعدائهم الی یوم الدین.
بما أن الليلة هي ليلة شهادة باقر علوم النبيين (ع) ,
فلابد من الكلام حول
الثاوين في مقبرة البقيع
لعل هذه الغفلة التي نحن فيها
ترتفع ببركة ذكر هذه الشخصية الكبرى والآية العظمى.
ينقل الصدوق رواية في العلل والعيون
عن الاما م الصادق (ع) :
اذا حجّ احدکم فلیختم بزیارتنا
ثم علل هذا الحكم؛
إن فقه الحديث ودراية الرواية أمر مهم
أذا حج احدكم
فليختم بزيارتنا
وإذا ما ورد التأكيد على لسان الاما م في الرواية
فعلى اهل الدقة والنظر أن يلتفتوا الى
ذلك الأمر المهم المخزون في تلك الجملة .
لام الأمر للتأكيد (فليختم )
اللام , تقتضي الأمر,
لكنه أمر متفرّع عن الحج .
والنتيجة هي على النحو التالي:
ان المفرع عنه لا يكون تاما بدون هذا الفرع المؤكد عليه بهذا الأمر
ختام الحج بزيارة أئمة البقيع (ع)
من هنا لا بد من معرفة حقيقة امر مقبرة البقيع ,
اذا حجّ احدکم فلیختم بزیارتنا
وسبب التأكد باللام هو :
أن كمال حج بيت الله وتمامه في زيارتهم (ع)
فيكون مدلول الحديث على الشكل التالي
الحج بدون زيارة البقيع والخضوع أمام المراقد الأربعة
هو حج ناقص
والحج الناقص لا يثمر أبداً
فما هو المثمر هو ذلك الأمر المتمِّم
لانّ زیارتنا من کمال الحجّ،
فزيارة أئمة البقيع الأربعة (ع) هو الجزء الأخير للعلة التامة للحج،
ليس بمقدور كل أحد ادراك عظمته .
والرواية التي سانقلها لكم الآن
صحيحة السند , ابتداء من الشيخ الطوسي ,
الى صفوان وابن عمير , الى ان تنتهي بمعاوية بن عمار
ومعاوية بن عمار ينقلها عن جعفر بن محمد (ع)
عن آبائه عن رسول الله (ص).
وعلاوة على صحة سند الحديث
فان سنده يشتمل على اثنين من الذين
اجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنهم وهما
الاول صفوان والآخر ابن أبي عمير .
هذه الرواية التي ينقلها الإمام عن آبائه (ع)
تبين أهمية الموضوع
أن رجلاً لقي رسول الله (ص) فقال :
يارسول الله إني تهيّأتُ للحج
ففاتني ,
وأنا رجل كثير المال ,
فمرني أصنع في مالي ما
أبلغ به ما يبلغ به الحاج
ليلتفت الجميع جيداً ,
الى مثل هذه الرواية ومثل هذا السند
وهذا المضمون
وبعد أن سأل النبي ذلك السؤال قال له خاتم النبيين (ص) :
انظر إلى أبي قبيس
والتفت النبي الى جبل ابي قبيس وقال:
لو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء
أنفقته في سبيل الله ,
ما بلغت به ما يبلغ الحاج ،
هذا هو بيان رسول الله (ص) وهو يشير الى مطالب :
والانفاق في سبيل الله من الأهمية بمكان بحيث إنه
ورد في القرآن الكريم:
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله}
كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة }
واذا ما كان لدينا مثل جبل أبي قبيس من الذهب الأحمر و
ننفقه كله في سبيل الله لما سدّ مسدّ الحج.
إلى ان يقول بعد تفصيل ..:
أنى لك
أن تبلغ ما يبلغ الحاج ؟
وما يحير العقول هنا أن
هذا الحج بهذه العظمة لا يتعدّ كونه في حدود الاقتضاء ,
فما لم تتحقق العلة التامة لا يمكن للمعلول أن يتحقق
ولا يتحقق الأثر ما لم تكتمل العلة المؤثرة
الجزأ الأخير للعلة التامة للمقتضي يعني
الحج (مع عظمته) ذلك الجزء الذي يتمّ به الحج
ويثمر هذه الشجرة الطيبة
إن ذلك الجزأ الأخير للعلة التامة راقد في البقيع .
تلك هي عظمة هذه البقعة
يلزم أن لا تكون عقولنا أسيرة ً لعيوننا
حينما يتشرف الزوار بدخول حرم إمامٍ من الأئمة (ع)
فأين هم عن خلع أحذيتهم قبل الدخول ؟!
إنّه قمة عدم الحياء في مقابل تلك البقعة
فقد ثوى في تلك البقعة أربعة من أئمة الهدى
كل واحد منهم يمثل ركناً من أركان الكون
أربعة هم أركان البلاد
ابواب الایمان
امناء الرحمان
شهداء دار الفناء
شفعاء دار البقاء
خزّانِ خزنة الله
خزّانِ خزنة الله
هؤلاء الأربعة هم خزّان خزنة الله
هؤلاء الأربعة هم حملة عرش علم الله
لهذا كانت زيارة هؤلاء الأئمة الاربعة كمال الحج وتمام زيارة البيت.
ذلك البيت العظيم ,الذي
جعله سبحانه للاسلام علـَما
وللعائذین حرَما،
فرض حجّه
واوجب حقه
وکتب علیکم وفادته
لا يصل إلى حدّ التمام والكمال إلاّ بزيارة أئمة البقيع،
نقل الكليني في الكافي , وشيخ الطائفة في التهذيب ,
وشيخ المحدثين الصدوق في من لا يحضره الفقيه ,
وابن قولويه في المزار ,
الأركان الأربعة للحديث كل هؤلاء نقلوا هذا الحديث
ونؤجل شرح الحديث لوقت آخر إن شاء الله ,
يقول النبي (ص) لسبطه الحسن (ع) ...
أنقل لكم زبدة الحديث بشكل مختصر ,
الشخص الأول الذي يرقد هناك ـ أي النبي ـ يقول لابنه الحسن:
دققوا جيداً في هذه الجملة :
من زارك
إن عبارة النبي الخاتم لتقصم الظهر
من زارك كان حقاً عليّ
تعبير الرواية هو : كان حقاً عليّ...
إن من يدين له جميع عالم الامكان من الأنبياء وغيرهم ,
قال هذه العبارة :
من زارك فقد أوجب علي حقاً
هذا هو مقام الحسن بن علي (ع) .
وهو أول من يزار قبره من الأئمة هناك
وحينها نعرف لم كانت زيارتهم كمالَ الحج.
قال: كان حقا عليّ...
وما هو ذلك الحق ؟
أن أزوره يوم القيامة ,
هذا هو فضل البقيع .
زوار البقيع في الدنيا يزورهم النبي (ص) في الآخرة
إن الذي يقوم بزيارتهم هناك
جاء عقل الكل ـ النبي ـ إلى زيارته في المحشر
وأخلصه من ذنوبه...
وهذه الجملة عجيبة!
الخلاص عبارة عن :
الآلة التي يوضع فيها المعدن المغشوش
ويتم تخليصها من المعادن الأخرى
فاذا ما صار ذهباً نقيّا، كان ذلك خروجاً من الخلاص.
وبعد أن قال : كان حقاً علي أن أزوره قال:
وأخلصه (أنظفه ) من ذنوبه يوم القيامة ,
وأخرجه من الخلاص
وحينها أنقله الى مكان
واذا ما كان النبي هو الذي ينقله فلا يعلم المقام الذي سيكون له حينئذ
و الشخصية الثانية الراقدة هناك
صاحب زبور آل محمد است.
إنه من يلقبه الله تعالى يوم القيامة بـ " زين العا بدين "
وثالث الراقدين هناك , والذي تصادف الليلة ليلة شهادته ,
قال خاتم الانبياء (ص) جملة في فضله ومقامه
هذه الجملة كافية لأهل الفهم والنظر:
اسمه اسمی، و شمائله شمائلی
إنه باقر العلوم
وهناك , ـ وأنتم بحمد الله من أهل العلم والمعرفة...
ومن فوائد هذه الدروس
الوصول الى معرفة الله
والطريق الى الله تعالى ينحصر في المعصومين الأربعة عشر
لا ينقص منهم واحد ولا يزيد . وهو المهم
لكن أين ذوي العقول والمعرفة ؟ ـ
وهناك من الممكن أن يقول لكم أولئك القائمون هناك (في البقيع) ,
أن يخاطبوكم أنتم الحجاج بأن
خلع الأحذية
مناف لقواعد الصحة والسلامة
من الممكن أن يقولوا لكم ذلك, لكننا نجيبهم بأنهم
أرادوا اطفاء نور الله
ويأبى الله إلا أن يتم نوره
فقد كشفوا قبر حفيد الإمام الخامس ,
وقد جمعوا وحشدوا لذلك كل قوة دولتهم
ليخفوا تلك الشمس وراء سحابة ,
لكن حيث شاء الله ذلك فقد انكشف لهم القبر
وذاع خبره في كل مكان
فبعد مضي ألف ونيف من السنين على عمر هذا القبر لحفيد الإمام الخامس
ورغم كونه غير معصوم وإن تولّدَ من معصوم .
لكن حينما فتح القبر انتشرت رائحة عطر أخذت بألباب الحاضرين
البدن كأنه الورد المتفتح
هناك يبطل مفعول جميع عوامل الطبيعة ,
لكن أين من يعقل ذلك ؟
ولم يمض على هذه الواقعة سوى بضع سنوات
آية الله البروجردي هذا الفقيه المتبحر الراقد الى جانبنا
هذا الرجل بقي متنعما بالقدرة على قراءة أنعم الخطوط واصغرها الى أواخر سني كهولته
وقد نقل قصته في سبب ذلك فقال :
لقد أصيبت عيني بمرض
وكلما حاولت معالجتها لم أفلح
إلى أن تشرفت بزيارة العتبات المقدسة,
ولما وصلت البصرة ركبت القطار ,
وفي المكان الذي صعدت فيه
صعد معي مجموعة من مشاة الزوار (المشاية )قاصدين زيارة سيد الشهداء(ع)
وكان أحدهم قد استغرق في النوم
فقمت وأخذتُ قليلا ً من ذلك الطين العالق بين اصابع قدمي هذا الزائر
ومسحت بها كلتا عيني المجروحتين
وما إن كحلت عينيّ بذلك الطين
حتى زال وجع عينيّ ولم احتج الى نظارات الى هذا اليوم .
هذه هي معرفة وعلم هذا الفقيه المتبحر.
إن من لا يمتلك من المعرفة ما
يجعله يدرك ويستوعب أن طين أرجل زوار قبور العترة الطاهرة
شفاء من كل داء
هو من يتفوه بهذا الكلام (المشي حافياً يخالف قواعد الصحة )
وإذا لم تصل إلى علم ومعرفة فـَحْـل العلم هذا
فارتد الجوْرَب , لكن اخلع نعليك
هل تعلمون ماذا هناك ؟
انه مورد ايةِ (ذلك من يعظم شعائر الله )
وذلك القدر المتيقن من الشعائر الالهية هي تلك القبور الأربعة
فتعظيم تلك القبور الأربعة علامة تقوى القلوب
إن المشاة الحفاة في مقبرة البقيع
قد جسدوا التقوى في أعمالهم
على أهل العلم أن يوقظوا الغافلين من نومهم,
ويحفظوا حرمة البقيع
لايضعفن من عزيمتكم ما ترونه من القبور المهدمة
على الجميع أن يدخل تلك المقبرة حافي القدمين
رغماً لآناف الذين أرادوا إزالة تلك القبور
حتى يتضح أن العظمة في حدّ الإندهاش و الحيرة
بحيث لا يميّز رأسه عن رجله
أيها الإمام الخامس , أيها الراقد في ذلك القبر المهدم ,
أنت ذلك الذي قال عنك عقل الكل وخاتم الرسل
لجابر بن عبد الله الأنصاري :
ابلغ ولدي (الذي يبقر علوم النبيين ) عني السلام
دققوا جيدا يا أهل العلم والنظر
(النبیّین) جمع محلـّی به (ال) .
وما ادراك ما علم النبيين ؟
اقرأوا القرآن الكريم :
و اذ قال ربّک للملائکة
انی جاعل فی الارض خلیفة
قالوا اتجعل فیها من یفسد فیها
ویسفك الدّماء
ونحن نسبح بحمدك
ونقدّس لك. قال:
انـّی اعلم ما لا تعلمون
وعلـّم آدم الاسماء کلـّها
وهذا علم واحد من النبيين:
و علـّم آدم الاسماء کلـّها
وماذا في صدر نوح من العلم؟
وماذا عن الآيات التسع التي في قلب موسى بن عمران ؟
وماذا عن الاسم الأعظم والروح التي عند عيسى
وابراء الاكمه والأبرص
وإحياء الموتى ؟
وماذا في البحر الذي لا يحد من قلب عقل الكل ـ النبي ـ ؟
والأهم أن أعلام السنة والشيعة نقلوا :
أن من يبقر تلك العلوم
هو محمد بن علي الباقر (ع) .
هذا هو منصبه , ومقامه ؛ (يبقر علوم النبيين) كلهم
وبعد أن أقرأه جابر سلام النبي (ص) نظر اليه الإمام وقال:
أوص يا جابر, أوص يا جابر
فساله عن سبب قوله؟
لقد أراد الإمام ان يفهمه بأنك إنّما بقيت لأجل أن
توصل الي سلام رسول الله (ص)
ثم قال : والله , والله
ان علم ما كان وما يكون الى يوم القيامة
علمه عندي .
هذا هو ذلك الراقد في البقيع .
كان ابو بصير في الكوفة ,
يعلّم امرأة القرآن الكريم ,
فمازحها بشيء
ومضى على ذلك زمن , حتى حان موعد السفر.
وسافر إلى المدينة لملاقاة الامام (ع),
وما إن وقعت عينا الإمام على أبي بصير حتى قال :
ماذا قلت لتلك المرأة في ذلك البيت في الكوفة ؟
قال أبو بصير : فغطيت وجهي من الخجل .
فقال الإمام : فلا تعودن اليها
إن ذلك الذي هو في المدينة
لم يخف عليه ما جرى بين ذلك الرجل وتلك المراة
من المزاح في خلوتهما في الكوفة. هذا ذلك الراقد اليوم في البقيع.
وملخص الكلام , على كل من يذهب الى هناك عليه أن يفهم أنه:
فاخلع نعلیك
انـّك بالواد المقدس طوی.