الفصل الأول .في النية
وقد تقدم في الوضوء أنها : القصد إلى الفعل على نحو يكون الباعث إليه أمر الله تعالى ،({^( بل مطلق ما يوجب إضافة الفعل اليه سبحانه )^}) ولا يعتبر التلفظ بها ، ولا إخطار صورة العمل تفصيلاً عند القصد إليه ، ولا نية الوجوب ولا الندب ، ولا تمييز الواجبات من الأجزاء عن مستحباتها ، ولا غير ذلك من الصفات والغايات ، بل يكفي الإرادة الإجمالية المنبعثة عن أمر الله تعالى ، المؤثرة في وجود الفعل كسائر الأفعال الاختيارية الصادرة عن المختار ، المقابل للساهي والغافل .
مسألة ۵۶۹ : يعتبر فيها الإخلاص ، فإذا انضم إلى أمر الله تعالى الرياء بطلت الصلاة ، وكذا غيرها من العبادات الواجبة والمستحبة سواء أكان الرياء في الابتداء أم في الأثناء ، وفي تمام الأجزاء ، أم في بعضها الواجبة ، وفي ذات الفعل أم بعض قيوده ، مثل أن يرائي في صلاته جماعة ، أو في المسجد أو في الصف الأول ، أو خلف الإمام الفلاني ، أو أول الوقت ، أو نحو ذلك ، نعم في بطلانها بالرياء في الأجزاء المستحبة مثل القنوت ، أو زيادة التسبيح أو نحو ذلك إشكال ، بل الظاهر عدم البطلان بالرياء بماهو خارج عن الصلاة ، مثل إزالة الخبث قبل الصلاة ، والتصدق في أثنائها ، وليس من الرياء المبطل ما لو أتى بالعمل خالصاً لله ، ولكنه كان يعجبه أن يراه الناس كما أن الخطور القلبي لا يبطل الصلاة ، خصوصاً إذا كان يتأذى بهذا الخطور ، ولو كان المقصود من العبادة أمام الناس رفع الذم عن نفسه ، أو ضرر آخر غير ذلك ، لم يكن رياءً ولا مفسداً ، والرياء المتأخر عن العبادة لا يبطلها ، كما لو كان قاصداً الإخلاص ثم بعد إتمام العمل بدا له أن يذكر عمله ، والعجب لا يبطل العبادة ، سواء أكان متأخراً أو مقارناً .
مسألة ۵۷۰ : الضمائم الأخر غير الرياء إن كانت محرمة وموجبة لحرمة العبادة أبطلت العبادة ، و إلا فإن كانت راجحة ، أو مباحة فالظاهر صحة العبادة إذا كان داعي القربة صالحا للاستقلال في البعث إلى الفعل بحيث يفعل للأمر به ولو لم تكن تلك الضميمة ، و إن لم يكن صالحاً للاستقلال ، فالظاهر البطلان .
مسألة ۵۷۱ : يعتبر تعيين الصلاة التي يريد الإتيان بها إذا كانت صالحة لأن تكون على أحد وجهين متميزين ، ويكفي التعيين الإجمالي مثل عنوان ما اشتغلت به الذمة ـ إذا كان متحداً ـ أو ما اشتغلت به أولاً ـ إذا كان متعدداً ـ أو نحو ذلك ، فإذا صلى صلاة مرددة بين الفجر ونافلتها ، لم تصح كل منهما .
نعم إذا لم تصلح لأن تكون على أحد وجهين متميزين ، كما إذا نذر نافلتين لم يجب التعيين ، لعدم تميز إحداهما في مقابل الأخرى .
مسألة ۵۷۲ : لا تجب نية القضاء ، ولا الأداء ، فإذا علم أنه مشغول الذمة بصلاة الظهر ، ولا يعلم أنها قضاء ، أو أداء صحت إذا قصد الإتيان بما اشتغلت به الذمة فعلاً ، و إذا اعتقد أنها أداء ، فنواها أداء صحت أيضاً ، إذا قصد امتثال الأمر المتوجه إليه و إن كانت في الواقع قضاءً ، وكذا الحكم في العكس .
مسألة ۵۷۳ : لا يجب الجزم بالنية في صحة العبادة ، فلو صلى في ثوب مشتبه بالنجس لاحتمال طهارته ، وبعد الفراغ تبينت طهارته صحت الصلاة ، و إن كان عنده ثوب معلوم الطهارة ، وكذا إذا صلى في موضع الزحام لاحتمال التمكن من الإتمام فاتفق تمكنه صحت صلاته ، و إن كان يمكنه الصلاة في غير موضع الزحام .
مسألة ۵۷۴ : قد عرفت أنه لا يجب ـ حين العمل ـ الالتفات إليه تفصيلاً وتعلق القصد به ، بل يكفي الالتفات إليه وتعلق القصد به قبل الشروع فيه وبقاء ذلك القصد إجمالاً على نحو يستوجب وقوع الفعل من أوله إلى آخره عن داعي الأمر ، بحيث لو التفت إلى نفسه لرأى أنه يفعل عن قصد الأمر ، و إذا سئل أجاب بذلك ، ولا فرق بين أول الفعل وآخره ، وهذا المعنى هو المراد من الاستدامة الحكمية بلحاظ النية التفصيلية حال حدوثها ، أما بلحاظ نفس النية فهي استدامة حقيقية .
مسألة ۵۷۵ : إذا كان في أثناء الصلاة فنوى قطعها ، أو نوى الإتيان بالقاطع ، ولو بعد ذلك ، فإن أتم صلاته على هذا الحال بطلت ، وكذا إذا أتى ببعض الأجزاء ثم عاد إلى النية الأولى ، وأما إذا عاد إلى النية الأولى قبل أن يأتي بشىء منها ، صحت وأتمها .
مسألة ۵۷۶ : إذا شك في الصلاة التي بيده أنه عينها ظهراً أو عصراً ، فإن لم يأت بالظهر قبل ذلك نواها ظهراً وأتمها ، و إن أتى بالظهر بطلت ، إلا إذا رأى نفسه فعلا في صلاة العصر ، وشك في أنه نواها عصراً من أول الأمر ، أو أنه نواها ظهراً ، فإنه حينئذ يحكم بصحتها ويتمها عصراً .
مسألة ۵۷۷ : إذا دخل في فريضة ، فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة صحت فريضة ، وفي العكس تصح نافلة .
مسألة ۵۷۸ : إذا قام لصلاة ثم دخل في الصلاة ، وشك في أنه نوى ما قام إليها ، أو غيرها ، فالأحوط الإتمام ثم الإعادة .
مسألة ۵۷۹ : لا يجوز العدول عن صلاة إلى أخرى ، إلا في موارد :
منها : ما إذا كانت الصلاتان أدائيتين مترتبتين ـ كالظهرين والعشاءين ـ وقد دخل في الثانية قبل الأولى ، فإنه يجب أن يعدل إلى الأولى إذا تذكر في الأثناء .
ومنها : إذا كانت الصلاتان قضائيتين ، فدخل في اللاحقة ، ثم تذكر أن عليه سابقة ، فإنه يجب أن يعدل إلى السابقة ، في المترتبتين ، ويجوز العدول في غيرهما .
ومنها : ما إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه فائتة ، فإنه يجوز العدول إلى الفائتة ، و إنما يجوز العدول في الموارد المذكورة ، إذا ذكر قبل أن يتجاوز محله ، أما إذا ذكر في ركوع رابعة العشاء ، أنه لم يصل المغرب فإنها تبطل ، ولابد من أن يأتي بها بعد أن يأتي بالمغرب .
ومنها : ما إذا نسي فقرأ في الركعة الأولى من فريضة يوم الجمعة غير سورة الجمعة ، وتذكر بعد أن تجاوز النصف({^( بل مطلقاً .)^}) فإنه يستحب له العدول إلى النافلة ثم يستأنف الفريضة ويقرأ سورتها .
ومنها : ما إذا دخل في فريضة منفرداً ثم أقيمت الجماعة ، فإنه يستحب له العدول بها إلى النافلة مع بقاء محله ثم يتمها ويدخل في الجماعة .
ومنها : ما إذا دخل المسافر في القصر ثم نوى الإقامة قبل التسليم فإنه يعدل بها إلى التمام ، و إذا دخل المقيم في التمام فعدل عن الإقامة قبل ركوع الركعة الثالثة عدل إلى القصر ، و إذا كان بعد الركوع بطلت صلاته .
مسألة ۵۸۰ : إذا عدل في غير محل العدول ، فإن لم يفعل شيئاً جاز له العود إلى ما نواه أولاً ، و إن فعل شيئا فإن كان عامداً بطلت الصلاتان ، و إن كان ساهياً ثم التفت أتم الأولى إن لم يزد ركوعا ، أو سجدتين .
مسألة ۵۸۱ : الأظهر جواز ترامي العدول ، فإذا كان في فائتة فذكر أن عليه فائتة سابقة ، فعدل إليها فذكر أن عليه فائتة أخرى سابقة عليها ، فعدل إليها أيضاً صح .