مسألة ۹ : يحرم القتال في الأشهر الحرم ـ وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرّم ـ بالكتاب والسنة ، نعم إذا بدأ الكفار في القتال في تلك الاشهر جاز قتالهم فيها على أساس أنه دفاع في الحقيقة ، ولا شبهة في جوازه فيها ، وكذا يجوز قتالهم في تلك الاشهر قصاصاً ، وذلك كما إذا كان الكفار بادئين في القتال في شهر من تلك الأشهر جاز للمسلمين أن يبدؤوا فيه في شهر آخر من هذه الأشهر في هذه السنة أو في السنة القادمة ، ويدل على ذلك قوله تعالى : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) .(۱)
مسألة ۱۰ : المشهور({^( وهو الأقوى )^}) أن من لا يرى للأشهر الحرم حرمة جاز قتالهم في تلك الأشهر ابتداء ولكن دليله غير ظاهر عندنا .
مسألة ۱۱ : يجوز قتال الطائفة الباغية في الاشهر الحرم ، وهم الذين قاتلوا الطائفة الأخرى ولم يقبلوا الإصلاح وظلوا على بغيهم على تلك الطائفة وقتالهم ، فإن الآية الدالة على حرمة القتال في الاشهر الحرم تنصرف عن القتال المذكور ، حيث إنه لدفع البغي ، وليس من القتال الابتدائي كي يكون مشمولاً للآيه .
مسألة ۱۲ : يحرم قتال الكفار في الحرم إلا أن يبدأ الكفار بالقتال فيه ، فعندئذ يجوز قتالهم فيه ، ويدل عليه قوله تعالى : ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم ) .(۲)
۱ ـ سورة البقرة ، الآية ۱۹۴ .
۲ ـ سورة البقرة ، الآية ۱۹۱ .
مسألة ۱۳ : لا يجوز البدء بقتال الكفار إلا بعد دعوتهم إلى الإسلام ، فإذا قام المسلمون بدعوتهم إليه ولم يقبلوا وجب قتالهم .
وأما إذا بدؤوا بالقتال قبل الدعوة وقتلوهم ، فإنهم و إن كانوا آثمين إلا أنه لا ضمان عليهم ، على أساس أنه لا حرمة لهم نفساً ولا مالاً .
نعم ، لو كانوا مسبوقين بالدعوة أو عارفين بها لم يجب عليهم دعوتهم مرة ثانية ، بل يجوز البدء بالقتال معهم ، حيث إن احتمال الموضوعية في وجوب الدعوة غير محتمل .
مسألة ۱۴ : إذا كان الكفار المحاربون على ضعف من المسلمين ، بأن يكون واحد منهم في مقابل اثنين من هؤلاء الكفار وجب عليهم أن يقاتلوهم ، وذلك لقوله تعالى : ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ـ إلى قوله سبحانه ـ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين و إن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين )(۱) فإنه يدل على أن كل فرد من المسلمين في مقابل اثنين منهم ويدل عليه موثقة مسعدة بن صدقة أيضاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « إن الله عزوجل فرض على المؤمن ـ إلى أن قال ـ ثم حولهم عن حالهم رحمة منه لهم ، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من الله عزوجل فنسخ الرجلان العشرة » .(۲)
نعم ، إذا حصل العلم بالشهادة لفرد من المسلمين المقاتلين إذا ظل على القتال مع الاثنين منهم ، جاز له الفرار إذا لم تترتب فائدة عامة على شهادته ، لانصراف الآية المزبورة عن هذا الفرض .
۱ ـ سورة الانفال ، الآية ۶۵ ـ ۶۶ .
۲ ـ الوسائل ج ۱۵ باب ۲۷ من ابواب جهاد العدو ، الحديث ۲ .
وأما إذا كان الكفار أكثر من الضعف فلا يجب عليهم الثبات في القتال معهم إلا إذا كانوا مطمئنين بالغلبة عليهم ، و إذا ظنوا بالغلبة لم يجب عليهم الثبات أو البدء في القتال معهم ، ولكن لا شبهة في مشروعية الجهاد في هذا الفرض في الشريعة المقدسة ، وذلك لإطلاق الآيات المتضمنة لترغيب المسلمين فيه .
وأما إذا ظنوا بغلبة الكفار عليهم ، فهل الجهاد مشروع في هذا الفرض ؟ قيل بعدم المشروعية ووجوب الانصراف ، وقيل بالمشروعية ومرغوبية الجهاد ، والظاهر هو الثاني({^(بل الظاهر هو الأوّل )^}) لإطلاق الآيات .
مسألة ۱۵ : لا يجوز الفرار من الزحف إلا لتحرف في القتال أو تحيز إلى فئة و إن ظنوا بالشهادة في ساحة المعركة وذلك لإطلاق الآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) .(۱)
مسألة ۱۶ : يجوز قتال الكفار المحاربين بكل وسيلة ممكنة من الوسائل والأدوات الحربية في كل عصر حسب متطلبات ذلك العصر ، ولا يختص الجهاد معهم بالأدوات القتالية المخصوصة .
مسألة ۱۷ : قد استثني من الكفار الشيخ الفاني والمرأة والصبيان ، فإنه لا يجوز قتلهم ، وكذا الأسارى من المسلمين الذين أسروا بيد الكفار ، نعم لو تترس الأعداء بهم جاز قتلهم إذا كانت المقاتلة معهم أو الغلبة عليهم متوقفة عليه .
وهل تجب الدية على قتل المسلم من هؤلاء الاسارى وكذا الكفارة ؟ الظاهر
۱ ـ سورة الانفال ، الآية ۱۵ ـ ۱۶ .
عدم الوجوب ، أما الدية فمضافا إلى عدم الخلاف فيه تدل عليه معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « من اقتص منه فهو قتيل القرآن »(۱) وذلك فإن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم والموضوع هو أن كلما كان القتل بأمر إلهي فلا شىء فيه من الاقتصاص والدية ، والقتيل بالقصاص من صغريات تلك الكبرى ، وتؤيد ذلك رواية حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبدالله عن مدينة من مدائن الحرب ، هل يجوز أن يرسل عليها الماء أو تحرق بالنار أو ترمى بالمنجنيق حتى يقتلوا ومنهم النساء والصبيان والشيخ الكبير والأسارى من المسلمين والتجار ؟ فقال : «يفعل ذلك بهم، ولا يمسك عنهم لهؤلاء ، ولا دية عليهم للمسلمين ولا كفارة» الحديث.(۲)
وأما الكفارة فهل تجب أولا ؟ فيه وجهان : المشهور بين الاصحاب وجوبها ، وقد يستدل على الوجوب بقوله تعالى : ( فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ) .(۳)
بدعوى أن الآية تدل على الوجوب في المقام بالأولوية ، وفيه أنه لا أولوية ، فإن القتل في مورد الآية قتل خطئي ولا يكون بمأمور به ، والقتل في المقام يكون مأموراً به ، على أنه لو تم الاستدلال بالآية في المقام فظاهرها هو وجوب الكفارة على القاتل ، كما نص على ذلك غير واحد من الاصحاب ، وهو على خلاف مصلحة الجهاد ، فإنه يوجب التخاذل فيه كما صرح به الشهيد الثاني ( قدس سره ) فالصحيح هو عدم وجوب الكفارة({^(بل الأظهر هو الوجوب ، ومع إيجابه التخاذل تؤدّى من بيت المال )^}) في المقام المؤيد برواية حفص المتقدمة .
۱ ـ الوسائل ج ۲۹ باب ۲۴ من قصاص النفس ، الحديث ۲ .
۲ ـ الوسائل ج ۱۵ باب ۱۶ من جهاد العدو ، الحديث ۲ .
۳ ـ سورة النساء ، الآية ۹۲ .
مسألة ۱۸ : المشهور كراهة طلب المبارز في الحرب بغير إذن الإمام (عليه السلام)وقيل : يحرم وفيه إشكال ، والأظهر({^(الأحوط عدم طلبه مع عدم إذن الإمام (عليه السلام) )^}) جواز طلبه إذا كان أصل الجهاد مشروعاً .
مسألة ۱۹ : إذا طلب الكافر مبارزاً من المسلمين ولم يشترط عدم الإعانة بغيره جاز إعانته ، والمشهور على أنه لا يجوز ذلك إذا اشترط عدم الاعانة بغيره ، حيث إنه نحو أمان من قبل غيره ، فلا يجوز نقضه ، ولكنه محل إشكال بل منع .
مسألة ۲۰ : لا يجوز القتال مع الكفار بعد الأمان والعهد ، حيث إنه نقض لهما وهو غير جائز ، ويدل عليه غير واحدة من الروايات ، منها صحيحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : « كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم صلى الله عليه وآله بين يديه ثم يقول ـ إلى أن قال ـ وأيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله ، فإن تبعكم فأخوكم في الدين ، و إن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا بالله » .(۱)
ومنها معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت له : ما معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)( يسعى بذمتهم أدناهم ) ؟ قال : « لو أن جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل فقال : أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم وأناظره ، فأعطاه أدناهم الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به » .(۲)
نعم ، تجوز الخدعة في الحرب ليتمكنوا بها من الغلبة عليهم ، وتدل عليه معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أن عليا (عليه السلام) كان يقول : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
۱ ـ الوسائل ج ۱۵ باب ۱۵ من جهاد العدو ، الحديث ۲ .
۲ ـ الوسائل ج ۱۵ باب ۲۰ من جهاد العدو ، الحديث ۱ .
يقول يوم الخندق : ( الحرب خدعة ) ويقول : تكلموا بما أردتم » .(۱)
مسألة ۲۱ : لا يجوز الغلول من الكفار بعد الامان ، فإنه خيانة ، وقد ورد في صحيحة جميل المتقدمة آنفا ، وفي معتبرة مسعدة بن صدقة نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)عن الغلول(۲) وكذا لا تجوز السرقة من الغنيمة على أساس أنها ملك عام لجميع المقاتلين .
مسألة ۲۲ : لا يجوز التمثيل بالمقتولين من الكفار ، لورود النهي عنه في صحيحة جميل ومعتبرة مسعدة المتقدمتين آنفا ، وكذا لا يجوز إلقاء السم في بلاد المشركين لنهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : « قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يلقى السم في بلاد المشركين » .(۳)
نعم ، إذا كانت هناك مصلحة عامة تستدعي ذلك كما إذا توقف الجهاد أو الفتح عليه جاز ، وأما إلقاؤه في جبهة القتال فقط من جهة قتل المحاربين من الكفار فلا بأس به .