في قسمة الغنائم المنقولة
نعم ، يعطي الإمام (عليه السلام) منها لها مقدار ما يرى فيه مصلحة ، وتدل على ذلك معتبرة سماعة عن أحدهما (عليه السلام) قال : « إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحى ولم يقسم لهن من الفىء شيئا ولكنه نفلهن » .({^الوسائل ج ۱۵ باب ۴۱ من جهاد العدو ، حديث ۶ .^}) وأما العبيد والكفار الذين يشتركون في القتال بإذن الإمام (عليه السلام)فالمشهور بين
الاصحاب، بل ادعي عليه الإجماع، أنه لا سهم لهم في الغنائم، ولكن دليله غير ظاهر.({^الأقوى ما ذهب إليه المشهور فى الكفار ، و أمّا فى العبيد فمحل إشكال .^})
منها معتبرة داود بن فرقد ، قال ، قال أبو عبدالله (عليه السلام) : « قطائع الملوك كلها للامام (عليه السلام) ، وليس للناس فيها شىء » .
ومنها معتبرة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن صفو المال ؟ قال : « الإمام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفاره والسيف القاطع والدرع قبل أن تقسم الغنيمة ، فهذا صفو المال » .({^الوسائل ج ۹ باب ۱ من أبواب الانفال ، حديث ۶ و ۱۵ .^})
في ساحة القتال والمعركة ومتهيئاً للقتال معهم إذا اقتضى الأمر ذلك ، كانت الغنيمة مشتركة بين الجميع ، ولا اختصاص بها للمقاتلين فقط ، وهذا بخلاف ما إذا أرسل فرقة إلى جهة وفرقة أخرى إلى جهة أخرى ، فلا تشارك إحداهما الأخرى في الغنيمة .
وفي حكم المقاتلين الطفل إذا ولد في أرض الحرب ، وتدل عليه معتبرة مسعدة ابن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه أن عليا (عليه السلام) قال : « إذا ولد المولود في أرض الحرب قسم له مما أفاء الله عليهم » .({^الوسائل ج ۱۵ باب ۴۱ من أبواب جهاد العدو ، حديث ۸ .^})
والمشهور أنه تشترك مع المقاتلين في الغنائم فئة حضروا أرض الحرب للقتال وقد وضعت الحرب أوزارها بغلبة المسلمين على الكفار وأخذهم الغنائم منهم قبل خروجهم إلى دار الإسلام ، فإن الغنيمة حينئذ تقسم بين الجميع رغم عدم اشتراك تلك الفئة معهم في القتال ، ومدركهم في ذلك رواية حفص بن غياث ، قال : كتب إلي بعض إخواني أن أسأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن مسائل من السيرة ، فسألته وكتبت بها إليه ، فكان فيما سألت : أخبرني عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام ، ولم يلقوا عدوا حتى خرجوا إلى دار الإسلام ، هل يشاركونهم فيها ؟ قال : « نعم » .({^الوسائل ج ۱۵ باب ۳۷ من أبواب جهاد العدو ، حديث ۱ .^})
ولكن بما أن الرواية ضعيفة باعتبار أن القاسم بن محمّد الواقع في سندها مردد بين الثقة وغيرها فالحكم لا يخلو عن إشكال بل منع ،({^فى المنع تأمل .^}) وقد يستدل على ذلك بمعتبرة طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي (عليه السلام) ، في الرجل يأتي القوم وقد غنموا ولم يكن ممن شهد القتال قال : فقال : « هؤلاء المحرومون ، فأمر أن يقسم لهم »({^الوسائل ج ۱۵ باب ۳۷ من أبواب جهاد العدو ، حديث ۲ .^}) بتقريب أن المراد المحرومون من ثواب القتال لا أنهم محرومون من الغنيمة ، وفيه : أولاً : أنه لا يمكن أن تكون كلمة ( هؤلاء ) إشارة إلى الرجل الذي يأتي القوم بعد أخذهم الغنيمة من الكفار .
وثانياً : أن تحريمهم من الثواب لا يدل على أن لهم نصيباً في الغنيمة ، فإن ضمير ( لهم ) في قوله (عليه السلام) ( فأمر أن يقسم لهم ) ظاهر في رجوعه إلى القوم ، وكيف كان فالرواية مجملة ، فلا دلالة لها على المقصود أصلاً .
ثم إنه بناءً على الاشتراك إذا حضروا دار الحرب قبل القسمة ، فهل هم مشتركون فيها معهم أيضاً إذا حضروها بعدها ؟ المشهور عدم الاشتراك ، وهو الظاهر ، لانصراف الرواية عن هذه الصورة وظهورها بمناسبة الحكم والموضوع في حضورهم دار الحرب قبل القسمة .
وعليه فلا فرق في ذلك بين أن يكون المقاتل صاحب فرس واحد أو أكثر فما عن المشهور من أن لصاحب فرس واحد سهمين وللأكثر ثلاثة أسهم فلا يمكن إتمامه بدليل ، ولا فرق فيما ذكرناه بين أن تكون المقاتلة مع الكفار في البر أو البحر .
وأما إذا أخذ تلك الأموال منه بالجهاد والقوة ، فإن كان الأخذ قبل القسمة رجعت إلى أربابها أيضاً بلا إشكال ولا خلاف .
وأما إذا كان بعد القسمة ، فنسب إلى العلامة في النهاية أنها تدخل في الغنيمة ، ولكن المشهور بين الاصحاب أنها ترد إلى أربابها وهو الصحيح ، إذ يكفي في ذلك قوله (عليه السلام) في صحيحة هشام الآنفة الذكر المؤيدة بخبر طربال ، والدليل على الخلاف غير موجود في المسألة .
وأما صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل لقيه العدو وأصاب منه مالا أو متاعا ، ثم إن المسلمين أصابوا ذلك ، كيف يصنع بمتاع الرجل ؟ فقال : « إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل رد عليه ، و إن كانوا أصابوه بعد ما حازوا فهو فىء للمسلمين ، فهو أحق بالشفعة »(۱) فهي بظاهرها ، وهو التفصيل بين ما قبل الحيازة وما بعدها ، فعلى الأول ترد إلى أربابها ، وعلى الثاني تدخل في الغنيمة مقطوعة البطلان ، فإنه لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الرد قبل القسمة فلا تدخل في الغنيمة بالحيازة ، وحمل الحيازة على القسمة بحاجة إلى قرينة وهي غير موجودة .
وعليه فالقسمة باطلة ، فمع وجود الغانمين تقسم ثانياً عليهم بعد إخراج أموال المسلمين ، ومع تفرقهم يرجع من وقعت تلك الأموال في حصته إلى الإمام (عليه السلام) .