كتاب القضاء
القضاء هو فصل الخصومة بين المتخاصمين ، والحكم بثبوت دعوى المدعي أو بعدم حق له على المدعى عليه .
والفرق بينه وبين الفتوى أن الفتوى عبارة عن بيان الأحكام الكلية من دون نظر إلى تطبيقها على مواردها وهي ـ أي الفتوى ـ لا تكون حجة إلا على من يجب عليه تقليد المفتي بها ، والعبرة في التطبيق إنما هي بنظره دون نظر المفتي .
وأما القضاء فهو الحكم بالقضايا الشخصية التي هي مورد الترافع والتشاجر ، فيحكم القاضي بأن المال الفلاني لزيد أو أن المرأة الفلانية زوجة فلان وما شاكل ذلك ، وهو نافذ على كل أحد حتى إذا كان أحد المتخاصمين أو كلاهما مجتهداً .
نعم قد يكون منشأ الترافع الاختلاف في الفتوى ، كما إذا تنازع الورثة في الأراضي ، فادعت الزوجة ذات الولد الارث منها ، وادعى الباقي حرمانها فتحاكما لدى القاضي ، فإن حكمه يكون نافذاً عليهما و إن كان مخالفاً لفتوى من يرجع إليه المحكوم عليه .
مسألة ۱ : القضاء واجب كفائي .
مسألة ۲ : هل يجوز أخذ الأجرة على القضاء من المتخاصمين أو غيرهما ؟ فيه إشكال ، والأظهر الجواز .({^بل الأظهر عدم الجواز .^})
مسألة ۳ : بناءً على عدم جواز أخذ الأجرة على القضاء هل يجوز أخذ الأجرة على الكتابة ؟ الظاهر ذلك .
مسألة ۴ : تحرم الرشوة على القضاء ، ولا فرق بين الاخذ والباذل .
مسألة ۵ : القاضي على نوعين : القاضي المنصوب ، وقاضي التحكيم .({^لا أثر لهذا التنويع فيما اختاره فى شرح هذه المسألة من التفصيل بين قاضي المنصوب و قاضي التحكيم ، من جهة اعتبار الاجتهاد فى الأول دون الثانى ، فإنّ الظاهر اعتبار الاجتهاد فى القاضي مطلقا .^})
مسألة ۶ : هل يكون تعيين القاضي بيد المدعي أو بيده والمدعى عليه معاً ؟ فيه تفصيل ، فإن كان القاضي قاضي التحكيم فالتعيين بيدهما معا ، و إن كان قاضيا منصوبا فالتعيين بيد المدعي .
وأما إذا تداعيا فالمرجع في تعيين القاضي عند الاختلاف هو القرعة .
مسألة ۷ : يعتبر في القاضي أمور :
( الأول ) البلوغ
( الثاني ) العقل
( الثالث ) الذكورة
( الرابع ) الإيمان
( الخامس ) طهارة المولد
( السادس ) العدالة
( السابع ) الرشد
( الثامن ) الاجتهاد بل الضبط على وجه ،({^في اعتبار الضبط تأمل .^}) ولا تعتبر فيه الحرية ، كما لا تعتبر فيه الكتابة ولا البصر ، فإن العبرة بالبصيرة .
مسألة ۸ : كما أن للحاكم أن يحكم بين المتخاصمين بالبينة وبالإقرار وباليمين كذلك له أن يحكم بينهما بعلمه ، ولا فرق في ذلك بين حق الله وحق الناس ، نعم لا يجوز إقامة الحد قبل مطالبة صاحب الحق، و إن كان قد علم الحاكم بموجبه ، على ما يأتي .
مسألة ۹ : يعتبر في سماع الدعوى أن تكون على نحو الجزم ، ولا تسمع إذا كانت على نحو الظن أو الاحتمال .
مسألة ۱۰ : إذا ادعى شخص مالاً على آخر ، فالاخر لا يخلو من أن يعترف له أو ينكر عليه أو يسكت ، بمعنى أنه لا يعترف ولا ينكر ، فهنا صور ثلاث :
( الأولى ) ـ اعتراف المدعى عليه فيحكم الحاكم على طبقه ويؤخذ به .
( الثانية ) ـ انكار المدعى عليه فيطالب المدعي بالبينة ، فان أقامها حكم على طبقها ، والا حلف المنكر ، فإن حلف سقطت الدعوى ولا يحل للمدعي ـ بعد حكم الحاكم ـ التقاص من مال الحالف .
نعم لو كذّب الحالف نفسه جاز للمدعي مطالبته بالمال ، فان امتنع حلت له المقاصة من أمواله .
( الثالثة ) ـ سكوت المدعى عليه ، فيطالب المدعي بالبينة ، فإن لم يقمها ألزم الحاكم المدعى عليه بالحلف إذا رضي به المدعي وطلبه ، فإن حلف فهو ، و إلا فيرد الحاكم الحلف على المدعي .
وأما إذا ادعى المدعى عليه الجهل بالحال ، فإن لم يكذبه المدعي فليس له إحلافه ، و إلا أحلفه على عدم العلم .
مسألة ۱۱ : لا تسمع بينة المدعي على دعواه بعد حلف المنكر وحكم الحاكم له .
مسألة ۱۲ : إذا امتنع المنكر عن الحلف ورده على المدعي ، فإن حلف المدعي ثبت له مدعاه ، و إن نكل سقطت دعواه .
مسألة ۱۳ : لو نكل المنكر ، بمعنى أنه لم يحلف ولم يرد الحلف فالحاكم يرد الحلف على المدعي ، فإن حلف حكم له .
مسألة ۱۴ : ليس للحاكم إحلاف المدعي بعد إقامة البينة إلا إذا كانت دعواه على الميت ، فعندئذ للحاكم مطالبته باليمين على بقاء حقه في ذمته زائداً على بينته .
مسألة ۱۵ : الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالدَين ، فلو ادعى عيناً كانت بيد الميت وأقام بينة على ذلك قبلت منه بلا حاجة إلى ضم يمين .
مسألة ۱۶ : لا فرق في الدعوى على الميت بين أن يدعي المدعي ديناً على الميت لنفسه أو لموكله أو لمن هو ولي عليه ، ففي جميع ذلك لابد في ثبوت الدعوى من ضم اليمين إلى البينة ، كما أنه لا فرق بين كون المدعي وارثا أو وصياً أو أجنبياً .
مسألة ۱۷ : لو ثبت دين الميت بغير بينة ، كما إذا اعترف الورثة بذلك أو ثبت ذلك بعلم الحاكم أو بشياع مفيد للعلم ، واحتمل أن الميت قد أوفي دينه ، فهل يحتاج في مثل ذلك إلى ضم اليمين أم لا ؟ وجهان : الأقرب هو الثاني .
مسألة ۱۸ : لو أقام المدعي على الميت شاهدا واحداً وحلف ، فالمعروف ثبوت الدين بذلك وهل يحتاج إلى يمين آخر ؟ فيه خلاف ، قيل بعدم الحاجة ، وقيل بلزومها ، ولكن في ثبوت الحق على الميت بشاهد ويمين إشكال بل منع .({^الأقوى ثبوت الحق على الميّت بشاهد و يمين ، كما أن الأقوى لزوم يمين آخر .^})
مسألة ۱۹ : لو قامت البينة بدين على صبي أو مجنون أو غائب فهل يحتاج إلى ضم اليمين ، فيه تردد وخلاف ، والأظهر عدم الحاجة إليه .
مسألة ۲۰ : لا يجوز الترافع إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأول ، ولا يجوز للآخر نقض حكم الأول إلا إذا لم يكن الحاكم الأول واجدا للشرائط ، أو كان حكمه مخالفا لما ثبت قطعا من الكتاب والسنة .
مسألة ۲۱ : إذا طالب المدعي حقه وكان المدعى عليه غائباً ، ولم يمكن إحضاره فعلاً ، فعندئذ إن أقام البينة على مدعاه حكم الحاكم له بالبينة وأخذ حقه من أموال المدعى عليه ودفعه له وأخذ منه كفيلاً بالمال .
والغائب إذا قدم فهو على حجته ، فإن أثبت عدم استحقاق المدعي شيئاً عليه استرجع الحاكم ما دفعه للمدعي ودفعه للمدعي عليه .
مسألة ۲۲ : إذا كان الموكل غائباً ، وطالب وكيله الغريم بأداء ما عليه من حق ، وادعى الغريم التسليم إلى الموكل أو الإبراء ، فإن أقام البينة على ذلك فهو ، والا فعليه أن يدفعه إلى الوكيل .
مسألة ۲۳ : إذا حكم الحاكم بثبوت دين على شخص وامتنع المحكوم عليه عن الوفاء جاز للحاكم حبسه واجباره على الأداء ، نعم إذا كان المحكوم عليه معسراً لم يجز حبسه بل ينظره الحاكم حتى يتمكن من الأداء .