الفصل الثاني في قواطع السفر ، وهي أمور
الأول : الوطن ، والمراد به المكان الذي يتخذه الانسان مقراً له على الدوام لو خلي ونفسه ، بحيث إذا لم يعرض ما يقتضي الخروج منه لم يخرج ، سواء أكان مسقط رأسه({^الظاهر عدم اعتبار اتخاذ المقرّ على الدوام في الوطن الأصلي، بل يعتبر عدم الإعراض عنه. ^})أم أستجده ، ولا يعتبر فيه أن يكون له فيه ملك ، ولا أن يكون قد أقام فيه ستة أشهر .
مسألة ۹۲۴ : يجوز أن يكون للإنسان وطنان ، بأن يكون له منزلان في مكانين كل واحد منهما على الوصف المتقدم ، فيقيم في كل سنة بعضاً منها في هذا ، وبعضها الآخر في الآخر ، وكذا يجوز أن يكون له أكثر من وطنين .
مسألة ۹۲۵ : الظاهر أنه لا يكفي في ترتيب أحكام الوطن مجرد نية التوطن ،({^الأحوط وجوباً الجمع مالم يحرز صدق الوطن عرفاً .ب^})ل لابد من الإقامة بمقدار يصدق معها عرفاً أن البلد وطنه .
مسألة ۹۲۶ : الظاهر({^بل الظاهر عدم الجريان . ^})جريان أحكام الوطن على الوطن الشرعي وهو المكان الذي يملك فيه الانسان منزلاً قد استوطنه ستة أشهر ، بأن أقام فيها ستة أشهر عن قصد ونية فيتم الصلاة فيه كلما دخله .
مسألة ۹۲۷ : يكفي في صدق الوطن قصد التوطن ولو تبعاً ، كما في الزوجة والعبد والأولاد .
مسألة ۹۲۸ : إذا حدث له التردد في التوطن في المكان بعد ما اتخذه وطناً أصلياً كان أو مستجداً ، ففي بقاء الحكم إشكال ، والأظهر البقاء .
مسألة ۹۲۹ : الظاهر أنه يشترط في صدق الوطن قصد التوطن فيه أبداً ، فلو قصد الإقامة في مكان مدة طويلة وجعله مقراً له ـ كما هو ديدن المهاجرين إلى النجف الأشرف ، أو غيره من المعاهد العلمية لطلب العلم قاصدين الرجوع إلى أوطانهم بعد قضاء وطرهم ـ لم يكن ذلك المكان وطناً له ، نعم هو بحكم الوطن يتم الصلاة فيه ، فإذا رجع إليه من سفر الزيارة ـ مثلاً ـ أتم و إن لم يعزم على الإقامة فيه عشرة أيّام ، كما أنه يعتبر في جواز القصر في السفر منه إلى بلد آخر أن تكون المسافة ثمانية فراسخ امتدادية أو تلفيقية ، فلو كانت أقل وجب التمام ، وكما ينقطع السفر بالمرور بالوطن ينقطع بالمرور بالمقر .
تنبيه : إذا كان الانسان وطنه النجف مثلاً ، وكان له محل عمل في الكوفة يخرج إليه وقت العمل كل يوم ويرجع ليلاً ، فإنه لا يصدق عليه عرفاً ـ وهو في محله ـ أنه مسافر ، فإذا خرج من النجف قاصدا محل العمل وبعد الظهر ـ مثلاً ـ يذهب إلى بغداد يجب عليه التمام في ذلك المحل ، وبعد التعدي من حدّ الترخص منه يقصر ، و إذا رجع من بغداد إلى النجف ووصل إلى محل عمله أتم ، وكذلك الحكم لأهل الكاظمية إذا كان لهم محل عمل في بغداد وخرجوا منها إليه لعملهم ثم السفر إلى كربلاء مثلاً ، فإنهم يتمون فيه الصلاة ذهاباً و إياباً ، إذا مروا به .
الثاني : العزم على الإقامة عشرة أيّام متوالية في مكان واحد أو العلم ببقائه المدة المذكورة فيه و إن لم يكن باختياره ، والليالي المتوسطة داخلة بخلاف الأولى والأخيرة ، ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر فإذا نوى الإقامة من زوال أول يوم إلى زوال اليوم الحادي عشرة وجب التمام ، والظاهر أن مبدأ اليوم طلوع الشمس ،({^الأحوط وجوباً الاحتساب من طلوع الفجر . ^})فإذا نوى الإقامة من طلوع الشمس فيكفي في وجوب التمام نيتها إلى غروب اليوم العاشر .
مسألة ۹۳۰ : يشترط وحدة محل الإقامة ، فإذا قصد الإقامة عشرة أيّام في النجف الأشرف ومسجد الكوفة مثلاً بقي على القصر ، نعم لا يشترط قصد عدم الخروج عن سور البلد ، بل إذا قصد الخروج إلى ما يتعلق بالبلد من الأمكنة ، مثل بساتينه ومزارعه ومقبرته ومائه ونحو ذلك من الامكنة التي يتعارف وصول أهل البلد إليها من جهة كونهم أهل ذلك البلد لم يقدح في صدق الإقامة فيها ، نعم يشكل الخروج إلى حدّ الترخص ، فضلاً عما زاد عليه إلى ما دون المسافة ، كما إذا قصد الإقامة في النجف الاشرف مع قصد الخروج إلى مسجد الكوفة أو السهلة ، فالأحوط الجمع ـ حينئذ ـ مع الإمكان ، و إن كان الأظهر جواز الاقتصار على التمام وعدم منافاة الخروج المذكور للإقامة ، إذا كان زمان الخروج قليلاً .({^إذا كان زمان الخروج أكثر من ساعتين فالأحوط وجوباً الجمع ، وإذا كان من قصده الخروج تمام اليوم أو تمام الليل يقصر .^})
مسألة ۹۳۱ : إذا قصد الإقامة إلى ورود المسافرين ، أو انقضاء الحاجة أو نحو ذلك ، وجب القصر وان اتفق حصوله بعد عشرة أيّام ، و إذا نوى الإقامة إلى يوم الجمعة الثانية ـ مثلاً ـ وكان عشرة أيّام كفى في صدق الإقامة ووجوب التمام ، وكذا في كل مقام يكون فيه الزمان محدوداً بحدّ معلوم ، و إن لم يعلم أنه يبلغ عشرة أيّام لتردد زمان النية بين سابق ولاحق ، وأما إذا كان التردد لأجل الجهل بالآخر كما إذا نوى المسافر الإقامة من اليوم الواحد والعشرين إلى آخر الشهر ، وتردد الشهر بين الناقص والتام وجب فيه القصر ، و إن انكشف كمال الشهر بعد ذلك .
مسألة ۹۳۲ : تجوز الإقامة في البرية ، وحينئذ يجب أن ينوي عدم الوصول إلى ما لا يعتاد الوصول إليه من الامكنة البعيدة ، إلا إذا كان زمان الخروج قليلاً ، كما تقدم .
مسألة ۹۳۳ : إذا عدل المقيم عشرة أيّام عن قصد الإقامة ، فإن كان قد صلى فريضة تماماً بقي على الاتمام إلى أن يسافر ، و إلا رجع إلى القصر ، سواء لم يصل أصلا أم صلى مثل الصبح والمغرب ، أو شرع في الرباعية ولم يتمها ولو كان في ركوع الثالثة ، وسواء أفعل ما لا يجوز فعله للمسافر من النوافل والصوم ، أو لم يفعل .
مسألة ۹۳۴ : إذا صلى بعد نية الإقامة فريضة تماماً نسياناً أو لشرف البقعة غافلاً عن نيته كفى في البقاء على التمام ، ولكن إذا فاتته الصلاة بعد نية الإقامة فقضاها خارج الوقت تماماً ، ثم عدل عنها رجع إلى القصر .
مسألة ۹۳۵ : إذا تمت مدة الإقامة لم يحتج في البقاء على التمام إلى اقامة جديدة ، بل يبقى على التمام إلى أن يسافر ، و إن لم يصل في مدة الإقامة فريضة تماماً .
مسألة ۹۳۶ : لا يشترط في تحقق الإقامة كونه مكلفاً ، فلو نوى الإقامة وهو غير بالغ ثم بلغ في أثناء العشرة وجب عليه التمام في بقية الأيّام وقبل البلوغ أيضاً يصلي تماماً ، و إذا نواها وهو مجنون وكان تحقق القصد منه ممكناً ، أو نواها حال الإفاقة ثم جنّ يصلي تماماً بعد الإفاقة في بقية العشرة ، وكذا إذا كانت حائضاً حال النية فإنها تصلي ما بقي بعد الطهر من العشرة تماماً ، بل إذا كانت حائضاً تمام العشرة يجب عليها التمام ما لم تنشئ سفرا .
مسألة ۹۳۷ : إذا صلى تماماً ، ثم عدل لكن تبين بطلان صلاته رجع إلى القصر ، و إذا صلى الظهر قصراً ثم نوى الإقامة فصلى العصر تماماً ، ثم تبين له بطلان إحدى الصلاتين فإنه يرجع إلى القصر ، ويرتفع حكم الإقامة ، و إذا صلى بنية التمام ، وبعد السلام شك في أنه سلم على الأربع أو الاثنتين أو الثلاث كفى في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد الصلاة ، وكذا يكفي في البقاء على حكم التمام ، إذا عدل عن الإقامة بعد السلام الواجب ، وقبل فعل المستحب منه ، أو قبل الإتيان بسجود السهو، ولا يترك الاحتياط فيما إذا عدل بعد السلام وقبل قضاء السجدة المنسية.
مسألة ۹۳۸ : إذا استقرت الإقامة ولو بالصلاة تماماً ، فبدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة ، فإن كان ناوياً للإقامة في المقصد ، أو في محل الإقامة ، أو في غيرهما بقي على التمام ، حتى يسافر من محل الإقامة الثانية ، و إن كان ناوياً الرجوع إلى محل الإقامة والسفر منه قبل العشرة أتم في الذهاب والمقصد ، وأما في الاياب ومحل الإقامة فالأحوط الجمع بين القصر والتمام فيهما ، و إن كان الأظهر جواز الاقتصار على التمام حتى يسافر من محل الإقامة ، نعم إذا كان ناوياً السفر من مقصده وكان رجوعه إلى محل إقامته من جهة وقوعه في طريقه قصر في إيابه ومحل إقامته أيضاً .
مسألة ۹۳۹ : إذا دخل في الصلاة بنية القصر ، فنوى الإقامة في الأثناء أكملها تماماً ، و إذا نوى الإقامة فشرع في الصلاة بنية التمام فعدل في الأثناء ، فإن كان قبل الدخول في ركوع الثالثة أتمها قصراً ، و إن كان بعده بطلت .
مسألة ۹۴۰ : إذا عدل عن نية الإقامة ، وشك في أن عدوله كان بعد الصلاة تماماً ليبقى على التمام أم لا ، بنى على عدمها فيرجع إلى القصر .
مسألة ۹۴۱ : إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم ، وعدل بعد الزوال قبل أن يصلي تماماً بقي على صومه وأجزأ ،({^والأحوط وجوباً قضائه أيضاً إن كان العدول قبل الغروب وإلاّ صحّ صوم ذلك اليوم ^}).وأما الصلاة فيجب فيها القصر ، كما سبق .
الثالث : أن يقيم في مكان واحد ثلاثين يوما من دون عزم على الإقامة عشرة أيّام ، سواء عزم على إقامة تسعة أو أقل أم بقي مترددا ، فإنه يجب عليه القصر إلى نهاية الثلاثين ، وبعدها يجب عليه التمام إلى أن يسافر سفراً جديداً .
مسألة ۹۴۲ : المتردد في الامكنة المتعددة يقصر ، و إن بلغت المدة ثلاثين يوماً .
مسألة ۹۴۳ : إذا خرج المقيم المتردد إلى ما دون المسافة جرى عليه حكم المقيم عشرة أيّام إذا خرج إليه ، فيجري فيه ما ذكرناه فيه .
مسألة ۹۴۴ : إذا تردد في مكان تسعة وعشرين يوماً ، ثم انتقل إلى مكان آخر ، وأقام فيه ـ متردداً ـ تسعة وعشرين ، وهكذا بقي على القصر في الجميع إلى أن ينوي الإقامة في مكان واحد عشرة أيّام ، أو يبقى في مكان واحد ثلاثين يوماً متردداً .
مسألة ۹۴۵ : يكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر هنا ، كما تقدم في الإقامة .
مسألة ۹۴۶ : في كفاية الشهر الهلالي إشكال ، بل الأظهر العدم إذا نقص عن الثلاثين يوماً .