كتاب الصلح
الصلح عقد شرعي للتراضي والتسالم بين شخصين في أمر : من تمليك عين أو منفعة أو إسقاط دين أو حق أو غير ذلك مجاناً ،({^في تحقّقه من دون عوض إشكال ، ومنه يظهر الاشكال فيما لا يكون بعوض في المسائل الآتية.^}) أو بعوض .
مسألة ۹۰۵ : الصلح عقد مستقل ولا يرجع إلى سائر العقود و إن أفاد فائدتها ، فيفيد فائدة البيع إذا كان الصلح على عين بعوض ، وفائدة الهبة إذا كان على عين بغير عوض ، وفائدة الإجارة إذا كان على منفعة بعوض ، وفائدة الإبراء إذا كان على إسقاط حق أو دين .
مسألة ۹۰۶ : إذا تعلق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح ، سواءً أكان مع العوض أو بدونه ، وكذا إذا تعلق بدين على غير المصالح له أو حق قابل للانتقال ، كحقي التحجير والاختصاص ، و إذا تعلق بدين على المتصالح ، أفاد سقوطه ، وكذا الحال إذا تعلق بحقّ قابل للإسقاط وغير قابل للنقل والانتقال ، كحقّ الشفعة ونحوه ، وأما ما لا يقبل الانتفال ولا الإسقاط ، فلا يصح الصلح عليه .
مسألة ۹۰۷ : يصح الصلح على مجرد الانتفاع بعين ، كأن يصالح شخصاً على أن يسكن داره أو يلبس ثوبه في مدة ، أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه ، أو يجري ماءه على سطح داره ، أو يكون ميزابه على عرصة داره ، أو يكون الممرّ والمخرج من داره أو بستانه ، أو على أن يخرج جناحاً في فضاء ملكه ، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه ، وغير ذلك ، ولا فرق فيه بين أن يكون بلا عوض أو معه .
مسألة ۹۰۸ : يجري الفضولي في الصلح ، كما يجري في البيع ونحوه .
مسألة ۹۰۹ : لا يعتبر في الصلح العلم بالمصالح به ، فإذا اختلط مال أحد الشخصين بمال الآخر جاز لهما أن يتصالحا على الشركة بالتساوي أو بالاختلاف ، كما يجوز لأحدهما أن يصالح الآخر بمال خارجي معين ولا يفرق في ذلك بين ما إذا كان التمييز بين المالين متعذراً وما إذا لم يكن متعذراً .
مسألة ۹۱۰ : يجوز للمتداعيين أن يتصالحا بشىء من المدعى به أو بشىء آخر ، حتى مع إنكار المدعى عليه ، ويسقط بهذا الصلح حق الدعوى ، وكذا يسقط حق اليمين الذي كان للمدعي على المنكر ، فليس للمدعي بعد ذلك تجديد المرافعة ، ولكن هذا قطع للنزاع ظاهراً ، ولا يحلّ لغير المحقّ ما يأخذه بالصلح ، وذلك مثل ما إذا ادعى شخص على آخر بدين فأنكره ، ثم تصالحا على النصف ، فهذا الصلح و إن أثر في سقوط الدعوى ، ولكن المدعي لو كان محقاً فقد وصل إليه نصف حقّه ، ويبقى نصفه الآخر في ذمة المنكر ، إلا أنه إذا كان المنكر معذوراً في اعتقاده لم يكن عليه إثم ، نعم لو رضي المدعي بالصلح عن جميع ما في ذمته ، فقد سقط حقه.
مسألة ۹۱۱ : لو قال المدعى عليه للمدعي : صالحني ، لم يكن ذلك منه إقراراً بالحقّ ، لما عرفت من أن الصلح يصح مع الإقرار والإنكار ، وأما لو قال : بعني أو ملكني ، كان إقراراً .
مسألة ۹۱۲ : يعتبر في المتصالحين البلوغ والعقل والاختيار والقصد وعدم الحجر لسفه أو غيره .
مسألة ۹۱۳ : يتحقق الصلح بكل ما يدل عليه من لفظ أو فعل أو نحو ذلك ، ولا تعتبر فيه صيغة خاصة .
مسألة ۹۱۴ : لو تصالح شخص مع الراعي بأن يسلم نعاجه إليه ليرعاها سنة مثلاً ، ويتصرف في لبنها ويعطي مقداراً معيناً من الدهن مثلاً صحت المصالحة ، بل لو آجر نعاجه من الراعي سنة على أن يستفيد من لبنها بعوض مقدار معين من دهن أو غيره صحت الإجارة .({^والأحوط وجوباً أن يكون الدهن في الصلح والاجارة من غير جنس ذلك الحيوان .^})
مسألة ۹۱۵ : لا يحتاج إسقاط الحق أو الدين إلى القبول ، وأما المصالحة عليه فتحتاج إلى القبول .
مسألة ۹۱۶ : لو علم المديون بمقدار الدين ، ولم يعلم به الدائن وصالحه بأقل منه ، لم تبرأ ذمته عن المقدار الزائد إلا أن يعلم برضا الدائن بالمصالحة ، حتى لو علم بمقدار الدين أيضاً .
مسألة ۹۱۷ : لا تجوز المصالحة على مبادلة مالين من جنس واحد إذا كان مما يكال أو يوزن ، مع العلم بالزيادة في أحدهما على الأحوط ، ولا بأس بها مع احتمال الزيادة.
مسألة ۹۱۸ : لا بأس بالمصالحة على مبادلة دينين على شخص واحد أو على شخصين فيما إذا لم يكونا من المكيل أو الموزون ، أو لم يكونا من جنس واحد ، أو كانا متساويين في الكيل أو الوزن ، وأما إذا كانا من المكيل أو الموزون ومن جنس واحد ، فجواز الصلح على مبادلتهما مع زيادة محل إشكال .
مسألة ۹۱۹ : يصح الصلح في الدين المؤجل بأقل منه إذا كان الغرض إبراء ذمة المديون من بعض الدين وأخذ الباقي منه نقداً ، هذا فيما إذا كان الدين من جنس الذهب أو الفضة أو غيرهما من المكيل أو الموزون ، وأما في غير ذلك فيجوز البيع والصلح بالأقلّ من المديون وغيره ، وعليه فيجوز للدائن تنزيل الكمبيالة في المصرف وغيره في عصرنا الحاضر لأن الدنانير الرائجة ليست مما يوزن أو يكال.({^تقدم ما يتعلق بهذا الفرع في المسألة (۱۹۳) .^})
مسألة ۹۲۰ : عقد الصلح لازم في نفسه حتى فيما إذا كان بلا عوض وكانت فائدته فائدة الهبة ، ولا ينفسخ إلا بتراضي المتصالحين بالفسخ أو بفسخ من جعل له حق الفسخ منهما({^أو من أجنبى .^}) في ضمن الصلح .
مسألة ۹۲۱ : لا يجري خيار الحيوان ولا خيار المجلس ولا خيار التأخير في الصلح ، نعم لو أخر تسليم المصالح به عن الحدّ المتعارف ، أو اشترط تسليمه نقداً فلم يعمل به ، فللآخر أن يفسخ المصالحة .
وأما الخيارات الباقية فهي تجري في عقد الصلح .
مسألة ۹۲۲ : لو ظهر العيب في المصالح به جاز الفسخ ، وأما أخذ التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب ففيه إشكال .
مسألة ۹۲۳ : لو اشترط في عقد الصلح وقف المال المصالح به على جهة خاصة ترجع إلى المصالح نفسه أو إلى غيره أو جهة عامة في حياة المصالح أو بعد وفاته صح ، ولزم الوفاء بالشرط .
مسألة ۹۲۴ : الأثمار والخضر والزرع يجوز الصلح عليها قبل ظهورها في عام واحد من دون ضميمة و إن كان لا يجوز ذلك في البيع على ما مر .
مسألة ۹۲۵ : إذا كان لأحد الشخصين سلعة تسوى بعشرين درهما مثلاً وللآخر سلعة تسوى بثلاثين واشتبهتا ولم تتميز إحداهما عن الأخرى ، فإن تصالحا على أن يختار أحدهما فلا إشكال ، و إن تشاجرا بيعت السلعتان وقسم الثمن بينهما بالنسبة فيعطى لصاحب العشرين سهمان وللاخر ثلاثة أسهم ، هذا فيما إذا كان المقصود لكل من المالكين المالية ، وأما إذا كان مقصود كل منهما شخص المال من دون نظر إلى قيمته وماليته كان المرجع في التعيين هو القرعة .